للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ ابن مِهْرَانَ يَقُولُ: "إِنَّ الْقَاصَّ١ الْمُتَكَلِّمَ يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ٢، وَالْمُسْتَمِعُ يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون} الْآيَةَ [الصَّفِّ: ٢] ، هُوَ الرَّجُلُ يُقَرِّظُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْخَيْرِ؟ أَوْ هُوَ الرَّجُلُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى٣ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْصِيرٌ؟ فَقَالَ: كِلَاهُمَا"٤.

فَإِنْ قِيلَ: إِنْ كَانَ كَمَا قُلْتَ تَعَذَّرَ الْقِيَامُ بِالْفَتْوَى وَبِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مُؤْتَمِرًا أَوْ مُنْتَهِيًا، وَإِلَّا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى خَرْمِ الْأَصْلِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ كُلَّ تَكْمِلَةٍ أَدَّتْ إِلَى انْخِرَامِ الْأَصْلِ الْمُكَمِّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٌ؛ فَكَذَلِكَ هُنَا٥، وَمِثْلُهُ الِانْتِصَابُ لِلْفَتْوَى، وَمَنِ الَّذِي يُوجَدُ لَا يزلُّ وَلَا يضلُّ وَلَا يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْبَعِيدَةِ عَنْ زَمَانِ النُّبُوَّةِ؟

نَعَمْ، لَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ مَنْ طَابَقَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلتَّقَدُّمِ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِذَا عَدِمَ ذَلِكَ لم يصح الانتصاب؛ هذا مشكل جدا.


١ في القاص -بالقاف "وآخره صاد مهملة مشددة: هو" الذي يقص [الحديث و] الأخبار، ويعظ الناس. "ف" و"م".
٢ لأنه يخشى عليه ألا يطابق فعله ما يعظ؛ فيمقت من الله ومن العباد، أما المستمع؛ فيرجى له أن يعمل بما سمع؛ فيرحم. "د".
٣ في "ط": "أو ينهى".
٤ أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "رقم ٤٩ - ط الأعظمي، ورقم ٤١ - ط المحققة"، وإسناده حسن، وصححه السيوطي في "تحذير الخواص" "ص٢٤٠". "استدراك ٣".
٥ أي: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه أصل كلي في الدين، ومكمله الائتمار والانتهاء، حتى يكون قدوة وينتفع به، ولكنه إذا جعل هذا المكمل شرطًا مطردًا حتى عند عدم وجود المؤتمر؛ انخرم الأمر بالمعروف، وضاع هذا الأصل؛ فيهمل هذا المكمل. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>