للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى فِعْلِ بَعْضِ النَّاسِ عِنْدَ ظَنِّهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ، وَضَمَّ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عُمْدَةً مُسْقِطَةً لِحُكْمِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ.

فَقَدْ يُلَوَّحُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَالِكًا يَعْتَمِدُ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ صَاحِبِهِ الْقَصْدُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ جَهْلًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَفْلَةً؛ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ يَقْتَضِي عَمَلَهُ بِهِ، وَتَحَرِّيهِ إِيَّاهُ دَلِيلٌ٢ عَلَى عَدَمِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي مَا اعْتُمِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ السَّلَفِ، إِذَا تَأَمَّلْتَهَا وَجَدْتَهَا قَدِ انْضَمَّتْ إِلَيْهَا قَرَائِنُ عَيَّنَتْ قَصْدَ الْمُقْتَدَى بِهِ، وَجِهَةَ فعله، فصَحَّ الاقتداء.

والقسم الثالث: هو٣ أن لا يَتَعَيَّنَ فِعْلُ الْمُقْتَدَى بِهِ لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ وَلَا أُخْرَوِيٍّ، وَلَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى جِهَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي الْقَسَمِ الثَّانِي بِعَدَمِ


= نصها: لم اسمع أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، وَمَنْ يُقْتَدَى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه".
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" "١٠/ ٢٦١" في تحديد "بعض أهل العلم": "وأما الذي ذكره مالك؛ فيقولون: إنه محمد بن المنكدر، وقيل: إنه صفوان بن سليم".
١ ورد ذلك في أحاديث كثيرة منها:
- ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة ٤/ ٢٣٢"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا ٢/ ٨٠١/ رقم ١١٤٣" عن محمد بن عباد؛ قال: "سألت جابرًا رضي الله عنه: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم". زاد بعض الرواة: "يعنى: أن ينفرد بصومه". لفظ البخاري.
- وأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم ١٩٨٥"، ومسلم في "صحيحه" "رقم ١١٤٤" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة؛ إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده".
٢ خبر قوله: "وتحرِّيه". "د".
٣ في "ط": "وهو".

<<  <  ج: ص:  >  >>