للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:

يَسْقُطُ عَنِ الْمُسْتَفْتِي١ التَّكْلِيفُ بِالْعَمَلِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُفْتِي، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لَا مِنْ جِهَةِ اجْتِهَادٍ مُعْتَبَرٍ، وَلَا مِنْ تَقْلِيدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ -حَسْبَمَا تَبَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْأُصُولِ- فَالْمُقَلِّدُ عِنْدَ فَقْدِ الْعِلْمِ بِالْعَمَلِ رَأْسًا أَحَقُّ وَأَوْلَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَمَلِ قَبْلَ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْمَالِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ سُقُوطُ التَّكْلِيفِ؛ إِذْ لَا حُكْمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ؛ إِذْ شَرْطُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْعِلْمُ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ، وَهَذَا غَيْرُ عَالِمٍ [بِهِ] بِالْفَرْضِ؛ فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبُهُ عَلَى حَالٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَلَّفًا بِالْعَمَلِ؛ لَكَانَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ؛ إِذْ هُوَ مُكَلَّفٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بِهِ لَكُلِّفَ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ فِيهِ، وَهُوَ عَيْنُ الْمُحَالِ؛ إِمَّا عَقْلًا وَإِمَّا شرعًا، والمسألة بيِّنَة.


١ أي: من هو بصدد الاستفتاء، وهو من عرضت له مسألة دينية وليس من أهل الاجتهاد. "د".
قلت: قال إمام الحرمين في "الغياثي" "ص٤٣١" في مثل اختيار المصنف: "وهذا زَلَل ظاهر"، ثم أسهب في بيان أن هذه المسألة "تنزل منزلة التباس الأحوال في الطهارة والنجاسة مع وجود العلماء"، ثم قال "ص٤٤٢": "فقصارى القول فيه اعتبار شك بشك، وبناء على الأمر على تغليب ما قضى الشارع بتغليبه"، ثم قال "ص٤٨١": "ويتحصل من مجموع ما نفينا وأثبتنا أن الناس يأخذون ما لو تركوه لتضرروا في الحال أو في المآل، والضرار الذي ذكرناه في أدراج الكلام عنينا به ما يُتوقع منه فساد البنية، أو ضعف يصد عن التصرف، والتقلب في أمور المعاش"، ثم فصل ذلك في سائر الأبواب، وقرر أشياء نفيسة وقواعد كلية مليحة، وصرح في "ص٥٢١" أنه ألف الكتاب عند تخليه انحلال الشريعة، وانقراض حملتها، ورغبة الناس عن طلبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>