للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحَدَّثَ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَسْمَعُهُ لِأَعْرِفَهُ، لَا لِأُحَدِّثَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: مَا يَسْمَعُ إِنْسَانٌ شَيْئًا إِلَّا يُحَدِّثُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَشْيَاءَ مَا تَحَدَّثْتُ بها، وأرجو أن لا أفعل ما عشت، وقد١ ندمت أن لا أَكُونَ طَرَحْتُ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِمَّا طَرَحْتُ".

قَالَ أَشْهَبُ٢: "رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلًا يَقُولُ: لَقَدْ لَزِمَ مَالِكٌ كَلِمَةً عِنْدَ فَتْوَاهُ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى الْجِبَالِ لَقَلَعَتْهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"".

هَذِهِ جُمْلَةٌ تَدُلُّ الْإِنْسَانَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالْفُتْيَا وَالتَّقْلِيدِ لَهُ، وَيَتَبَيَّنُ بِالتَّفَاوُتِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ الرَّاجِحُ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَلَمْ آتِ بِهَا عَلَى تَرْجِيحِ تَقْلِيدِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ٣ بِسَبَبِ شِدَّةِ اتِّصَافِهِ بِهَا، وَلَكِنْ لِتُتَّخَذَ قَانُونًا فِي سَائِرِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ هُدَاةِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أشد اتصافا بها من بعض٤.


١ في "ترتيب المدارك" "١/ ١٥١": "وروى البياضي عنه أنه قال: لقد ندمت أن لا أكون طرحت أكثر مما طرحت من الحديث". وفي "ط": "وقال: لقد ... ".
٢ مثله في "ترتيب المدارك" "١/ ١٥١"، وفيه: "لو ورد عليه الجبال"، وفي "ط" و"ف" و"م": "وردت عليه"، وعلَّقا: "لعل "أصل" هذه العبارة: "لو وردت على الجبال لقلعتها"".
٣ انظر رجحان مذهب أهل المدينة في "مجموع الفتاوى" "١٠/ ٢٦٠ و٢٠/ ٢٩٤-٣٢٠ و٣٣٣-٣٩٦"، وانظر منه: "٢٠/ ٣٢٠-٣٤٨" تعظيم الناس لمالك.
٤ في "ط": "من البعض".

<<  <  ج: ص:  >  >>