للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآثَارُ كَثِيرَةٌ.

وَالْحَاصِلُ [مِنْهَا] أَنَّ كَثْرَةَ السُّؤَالِ وَمُتَابَعَةَ الْمَسَائِلِ بِالْأَبْحَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالِاحْتِمَالَاتِ النَّظَرِيَّةَ مَذْمُومٌ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وُعِظُوا فِي كَثْرَةِ السُّؤَالِ حَتَّى امْتَنَعُوا مِنْهُ، وَكَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابُ فَيَسْأَلُوهُ١ حَتَّى يَسْمَعُوا كَلَامَهُ، وَيَحْفَظُوا مِنْهُ الْعِلْمَ، أَلَا تَرَى مَا فِي "الصَّحِيحِ" عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: "نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلِ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ"٢.

وَلَقَدْ أَمْسَكُوا عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى جَاءَ جِبْرِيلُ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ وَالسَّاعَةِ وَأَمَارَتِهَا، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ جِبْرِيلُ، وَقَالَ: "أَرَادَ أَنْ تَعْلَمُوا٣ إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا"٤.

وَهَكَذَا كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ كَثِيرًا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَهَابُونَ ذَلِكَ، قَالَ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ -وَقَدْ قَدِمَ عَلَى مَالِكٍ: "وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْعَلُونَنِي أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا أَجَابَ يَقُولُونَ: قُلْ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَا؛ فَأَقُولُ لَهُ: فَضَاقَ عَلَيَّ يَوْمًا فَقَالَ لِي: هَذِهِ سُلَيْسِلَةٌ بِنْتُ سُلَيْسِلَةٍ، إِنْ أَرَدْتَ هَذَا فَعَلَيْكَ بِالْعِرَاقِ"٥، وَإِنَّمَا كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ فِقْهَ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَحْوَالَهُمْ لِإِيغَالِهِمْ فِي المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي.


١ كذا في "ط"، وفي غيره: "فيسألون".
٢ أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، ١/ ٤١/ رقم ١٢ بعد ١٠" عن أنس رضي الله عنه".
٣ "تعلموا" ضبطناه على وجهين: "تعلَّمُوا"؛ أي: تتعلموا، والثاني: "تعلَموا"، أفاده النووي.
٤ أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان العلم والإسلام والإحسان ١/ ٤٠/ رقم ١٠" عن أبي هريرة مرفوعًا".
٥ ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "١/ ٤٦٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>