للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي١ وَرُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ: مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو رَقِيقًا كَالْخَيْطِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْمُو حَتَّى يَصِيرَ بَدْرًا، ثُمَّ يَنْقُصُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ كَمَا كَانَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} ٢ الْآيَةَ [إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [الْبَقَرَةِ: ١٨٩] ؛ فَإِنَّمَا أُجِيبَ٣ بِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعِ الدِّينِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَسْأَلَ بَعْدَ مَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ حَاجَتَهُ؛ كَمَا سَأَلَ الرجل عَنِ الْحَجِّ: أَكُلَّ عَامٍ٤؟ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آلِ عِمْرَانَ: ٩٧] قَاضٍ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ لِإِطْلَاقِهِ، وَمِثْلُهُ سُؤَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ٥ بَعْدَ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [الْبَقَرَةِ: ٦٧] .

وَالثَّالِثُ: السُّؤَالُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِ فِي الْوَقْتِ، وَكَأَنَّ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاصٌّ٦ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ" ٧، وَقَوْلُهُ: "وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ لا عن نسيان؛ فلا تبحثوا عنها" ٨.


١ مضى تخريجه "١/ ٤٥، ٢٥٨".
٢ إذا كان السؤال عن العلة والسبب تم التقريب، وكان الجواب في الآية الشريعة والخبر من الأسلوب الحكيم، ويسمى القول بالموجب، وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب تنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأولى بحاله، وإن كان عن الغاية والحكمة، أي ما شأن الهلال وحكمة اختلاف تشكلاته النورية بدءًا وعودا؛ كان الجواب مطابقًا للحكمة الظاهرة اللائقة بشأن التبليغ العام المذكرة لنعمة الله تعالى ومزيد رأفته سبحانه، ولم يكن مما نحن فيه. "ف".
قلت: ومضى تخريج سبب النزول بالتفصيل في "٣/ ١٤٩".
٣ راجع: "روح المعاني" "٢/ ٧٢" في تفسير الآية يتضح المقام. "د".
٤ يشير إلى الحديث المتقدم لفظه وتخريجه في "١/ ٢٥٦".
٥ انظر أثر ابن عباس في ذلك وتخريجه في "١/ ٤٥".
٦ هذا متعين، وإلا لمنع من تعلم العلم الزائد عما يحتاج إليه الشخص في الوقت، ولا يقول بهذا أحد. "١/ ٢٥٦".
٨ مضى تخريجه "١/ ٢٥٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>