للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال له ذلك بعد ما ذَكَرَ لَهُ قَوْلَهُ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨] ؛ فَوَجَدَ الْخَصْمَ مَدْفَعًا، فَانْتَقَلَ إِلَى مَا لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمَدْفَعُ [لَا] بِالْمَجَازِ وَلَا بالحقيقية، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٩] ؛ فَأَرَاهُمُ الْبُرْهَانَ بما لم يختلفوا فيه، وهو آدَمُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آلِ عِمْرَانَ: ٦٥] ، وَهَذَا قَاطِعٌ في عواهم أَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ.

وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ تَجِدُ احْتِجَاجَاتِ الْقُرْآنِ؛ فَلَا يُؤْتَى فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُقِرُّ الْخَصْمُ بِصِحَّتِهِ شَاءَ أَمْ أبى.

وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ تَجِدُ احْتِجَاجَاتِ الْقُرْآنِ؛ فَلَا يُؤْتَى فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُقِرُّ الْخَصْمُ بِصِحَّتِهِ شَاءَ أَمْ أَبَى.

وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ جَاءَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: ٩١] ؛ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ: ٩١] ؛ فَحَصَلَ إِفْحَامُهُ بِمَا هُوَ بِهِ عَالِمٌ.

وَتَأَمَّلْ حَدِيثَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَكْتُبَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". قَالُوا: مَا نَعْرِفُ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ". فَقَالَ: " اكْتُبْ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ"، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ؛ فَعَذَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمْ١ مِنْ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَتَبَ عَلَى مَا قَالُوا٢، وَلَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ ذَلِكَ حِينَ أَظْهَرُوا [لَهُ] النَّصَفة من عدم


١ في "د": "وإن كان هذا من حمية ... "، وفي "ط": "وإن كان قولهم ذلك من ... ".
٢ أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المغازي، باب عمرة القضاء، ٨/ ٤٩٩/ رقم ٤٢٥١" عن البراء بن عازب بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>