للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالدَّلِيلِ عَلَى حُكْمِ الْمَنَاطِ مُنَازَعًا فِيهِ، وَلَا مَظِنَّةَ لِلنِّزَاعِ فِيهِ؛ إِذْ يَلْزَمُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ مَسْأَلَةٍ إِلَى أُخْرَى لِأَنَّا إِنْ فَعَلْنَا ذلك لم تتخلص لنا مسألة، وبطلبت فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ.

فَصْلٌ:

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَتَيْنِ ها هنا لَيْسَ مَا رَسَمَهُ أَهْلُ الْمَنْطِقِ عَلَى وَفْقِ الْأَشْكَالِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ التَّنَاقُضِ وَالْعَكْسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى وَفْقِهَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَلَا يَسْتَتِبُّ جَرَيَانُهُ عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَقْرِيبُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يَكُونُ، وَعَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَأَقْرَبُ الْأَشْكَالِ إِلَى هَذَا التَّقْرِيرِ١ مَا كَانَ بَدِيهِيًّا فِي الْإِنْتَاجِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنَ اقْتِرَانِيٍّ أَوِ اسْتِثْنَائِيٍّ، إِلَّا أَنَّ الْمُتَحَرَّى فِيهِ إِجْرَاؤُهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا وَمَعْهُودِ كَلَامِهَا، إِذْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يَكُونُ، وَلِأَنَّ الْتِزَامَ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَالطَّرَائِقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا مُبْعِدٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تُوضَعْ إِلَّا عَلَى شَرْطِ الْأُمِّيَّةِ، وَمُرَاعَاةُ عِلْمِ الْمَنْطِقِ فِي الْقَضَايَا الشَّرْعِيَّةِ مُنافٍ لِذَلِكَ؛ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَا يستلزم ذلك الاصطلاح.

ومن هنا يعلم منى مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" ٢؛ قَالَ: "فَنَتِيجَةُ٣ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، قَالَ: "وَقَدْ أَرَادَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنْ يَمْزُجَ هَذَا بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ أَصْحَابِ الْمَنْطِقِ؛ فَيَقُولُ: إِنَّ أَهْلَ الْمَنْطِقِ يَقُولُونَ: لَا يكون القياس ولا تصح


١ في "ماء": "التقريب".
٢ مضى تخريجه "٤/ ٣٦٠".
٣ في مطبوع "العلم" "٣/ ٦٣، فقرة قم ٩٣٧": "فإن نتيجة ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>