للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوصَفُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ بِإِبَاحَةٍ أَصْلًا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ -قَبْلَ هَذَا الْمَذْهَبِ- لَمْ تَزَلْ تَحْكُمُ عَلَى الْأَفْعَالِ بِالْإِبَاحَةِ، كَمَا تَحْكُمُ عَلَيْهَا بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَإِنِ اسْتَلْزَمَتْ تَرْكَ الْحَرَامِ؛ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا لِمَا يُسْتَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمُبَاحِ.

وَالثَّانِي:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لَارْتَفَعَتِ الْإِبَاحَةُ رَأْسًا عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ.

بَيَانُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْإِبَاحَةُ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ عَلَى التَّعْيِينِ؛ كَانَ وَضْعُهَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَبَثًا؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْحُكْمِ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ وَاجِبًا؛ فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَيَبْطُلُ قِسْمُ الْمُبَاحِ أَصْلًا وَفَرْعًا؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ شَرْعًا فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَا يَقْضِي عَلَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لَوَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْبَاقِيَةِ؛ لِاسْتِلْزَامِهَا تَرْكَ الْحَرَامِ؛ فَتَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً، وَتَصِيرُ وَاجِبَةً١.

فَإِنِ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ حَسْبَمَا نُقِلَ عَنْهُ؛ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ جِهَةَ الِاسْتِلْزَامِ، [فَلِذَلِكَ نَفَى الْمُبَاحَ؛ فَلْيَعْتَبِرْ جِهَةَ الِاسْتِلْزَامِ] ٢ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ فينفيها، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ؛ فَإِنِ اعْتَبَرَ٣ فِي الحرام والمكروه


١ لأن الموجود في الخارج فعل واحد، ولا يصح أن يكون حراما واجبا مثلا؛ إذ المعنى الذي يتقوم به مفهوم الواجب يعاند المعنى الذي يتقوم به مفهوم الحرام، ويستحيل وجود فرد يصدق عليه مفهومان يتقومان من أمرين متناقضين. "خ".
٢ غير موجود في الأصل.
٣ أي: لتبقى الأحكام الأربعة ولا تنفى؛ حتى يخلص من القول بما يخالف المعقول، وذلك بألا يعتبر فيها جهة الاستلزام، بل جهة النهي أو الأمر. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>