للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِهَةَ النَّهْيِ، وَفِي الْمَنْدُوبِ جِهَةَ الْأَمْرِ -كَالْوَاجِبِ- لَزِمَهُ اعْتِبَارُ جِهَةِ التَّخْيِيرِ فِي الْمُبَاحِ؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ مَعْقُولِهِمَا.

فَإِنْ قَالَ: يَخْرُجُ الْمُبَاحُ عَنْ كَوْنِهِ [مُبَاحًا] ١ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ، أَوْ بِمَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَيْهِ؛ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِنْ سُلِّم؛ فَذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ مَعْلُومٌ؛ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ سُلِّمَ؛ فَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ الْأُخَرُ، فَيَصِيرُ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمَنْدُوبُ وَاجِبَاتٍ، وَالْوَاجِبُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبًا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَتَحَصَّلُ لَهُ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا قَصْدَ لَهُ فِي فِعْلِ الْمُبَاحِ دُونَ تَرْكِهِ، وَلَا فِي تَرْكِهِ دُونَ فِعْلِهِ، بَلْ قَصْدُهُ جَعْلُهُ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ، فَمَا كَانَ مِنَ الْمُكَلَّفِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ، فَذَلِكَ قَصْدُ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ؛ فَصَارَ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُكَلَّفِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، أَيَّهُمَا٢ فَعَلَ فَهُوَ قَصْدُ الشَّارِعِ، لَا أَنَّ لِلشَّارِعِ قَصْدًا فِي الْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ، وَلَا فِي التَّرْكِ بِخُصُوصِهِ.

لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّرَفَيْنِ٣ إِشْكَالٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرَفِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ مَا يَقْتَضِي قَصْدَ الشَّارِعِ إِلَى فِعْلِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِلَى تَرْكِهِ عَلَى الْخُصُوصِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَأَشْيَاءُ:

- مِنْهَا: الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ بِالطَّيِّبَاتِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا


١ غير موجودة في الأصل.
٢ ليست في "م".
٣ أي: استواء الفعل والترك في المباح؛ فالإشكال السابق كان على كون الترك ليس مطلوبا، أما هنا؛ فعلى كون كل منهما غير مطلوب، فيقال: كيف وقد طلب الفعل وطلب الترك أيضا؟ فهل مع هذا يقال: إن المباح يستوي طرفاه؟ "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>