للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ أَنَّ الْمُسَبِّبَاتِ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لِلْمُكَلَّفِ، وَأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ، إِذَا اعْتُبِرَ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا:

أَنَّ مُتَعَاطِيَ السَّبَبِ إِذَا أَتَى بِهِ بِكَمَالِ شُرُوطِهِ١ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، ثُمَّ قُصِدَ أَنْ لَا يَقَعَ مُسَبَّبُهُ؛ فَقَدْ قَصَدَ مُحَالًا، وَتَكَلَّفَ رَفْعَ مَا لَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ، وَمَنَعَ مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ مَنْعُهُ.

فَمَنْ عَقَدَ نِكَاحًا عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، أَوْ بَيْعًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُقُودِ، ثُمَّ قَصَدَ أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ بِذَلِكَ الْعَقْدِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ وَقَعَ قَصْدُهُ عَبَثًا، وَوَقَعَ الْمُسَبَّبُ الَّذِي أَوْقَعَ سَبَبَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَوْقَعَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا قَاصِدًا بِهِ مُقْتَضَاهُ فِي الشَّرْعِ, ثُمَّ قَصَدَ أَنْ لَا يَكُونَ مُقْتَضَى ذَلِكَ؛ فَهُوَ قَصْدٌ بَاطِلٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْعِبَادَاتِ؛ إِذَا صَلَّى، أَوْ صَامَ، أَوْ حَجَّ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ قَصَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ مَا أَوْقَعَ مِنَ الْعِبَادَةِ لَا يَصِحُّ لَهُ، أَوْ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ لَغْوٌ.

وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي الْأَسْبَابِ الْمَمْنُوعَةِ، وَفِيهِ جَاءَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} الآية: [المائدة: ٨٧] ٢.


١ وضع الأصل من أول الأمر على أنه تعاطى السبب بكمال شروطه ثم قصد ألا يقع ... إلخ، وفي تمثيلاته أيضا في العادات والعبادات لاحظ ذلك ليسلم له الأصل من الإشكالات الآتية؛ فأنت تراه جعل القصد المخالف لقصد الشارع لاحقا لتمام العمل لا مقارنا، إلا أنه يبقى الكلام في قوله في الطلاق والعتق؛ "قاصدا به مقتضاه في الشرع", إن كان مراده أنه لم يغلط ولم يسبق لسانه فواضح، وإن كان مراده ما هو ظاهره من أنه لا بد من قصد المعنى؛ فالفقه عند المالكية غير ذلك، بل لو كان هازلا لوقع الطلاق والعتق، ولم يكن له رفعه. "د".
٢ فقوله: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ..} إلخ بعد ذكر التحريم يفيد أن التحريم السابق المنهي عنه لغو؛ كأنه قال: وكلوا من هذا الطيب الذي حرمتموه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>