للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَلَوْ شَاءَ [لَهُ] ١ لَدَعَا بِمَا يُحِبُّ فَيَكُونُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، بَلِ اخْتَارَ الْحَمْلَ عَلَى مَجَارِي الْعَادَاتِ: يَجُوعُ يَوْمًا فَيَتَضَرَّعُ إِلَى رَبِّهِ، وَيَشْبَعُ يَوْمًا فَيَحْمَدُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ الْعَادِيَّةِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُرِي أَصْحَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي مُوَاطِنَ مَا فِيهِ شِفَاءٌ فِي تَقْوِيَةِ الْيَقِينِ، وَكِفَايَةٍ مِنْ أَزَمَاتِ الْأَوْقَاتِ٢، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَبِيتُ عِنْدَ رَبِّهِ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ٣، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكِ التَّكَسُّبَ لِمَعَاشِهِ وَمَعَاشِ أَهْلِهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْخَوَارِقُ فِي حَقِّهِ مُتَأَتِّيَةً، وَالطَّلَبَاتُ مُحْضَرَةً لَهُ؛ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ"٤، وَكَانَ -لِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ شَرَفِ الْمَنْزِلَةِ- مُتَمَكِّنًا مِنْهَا؛ فَلَمْ يُعَوِّلْ إِلَّا عَلَى مَجَارِي الْعَادَاتِ فِي الْخَلْقِ، كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا لِأَهْلِ الْخَوَارِقِ وَالْكَرَامَاتِ عَظِيمًا فِي أَنْ لَا يَعْمَلُوا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْخَوَارِقُ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَتْمًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ لم يكن


١ ما بين المعقوفتين سقط من "م" و"خ" و"ط".
٢ فالجاري على عادته حمل نفسه على مجاري العادات مع تيسر الخوارق له، كثيرا ما كانت تنخرق له العادات وتوافيه الكرامات، لكن ذلك في مواطن لمقصد مبرأ من حظ النفس، وهو تقوية اليقين عند أصحابه، وكفايتهم ضرر الأزمات الشديدة التي تحل بهم، كنبع الماء مثلا لما اشتد بهم الحال في الحديبية حتى لا يجمع عليهم الشدائد في هذه الأوقات المضنية. "د".
٣ ورد ذلك في حديث أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الصوم، باب الوصال، ٤/ ٢٠٢/ رقم ١٩٦٤"، وغيره وسيأتي لفظه وتخريجه عند المصنف "٢/ ٢٣٩".
٤ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب التفسير، باب "تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ"، ٨/ ٥٢٤-٥٢٥/ رقم ٤٧٨٨"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها، ٢/ ١٠٨٥/ رقم ١٤٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>