ولا أدري لم أهمل المصنف قول ابن حزم هذا، مع تعرضه بلطف وإنصاف للظاهرية في مواطن كثيرة من كتابه، وتصريحه السابق يفيد أنه لم يقف على أن المذكور قول لهم، وهذا ما أستبعده لشهرته عنهم، إلا أن ردد في مثل هذه المسألة خاصة مع الجويني في "البرهان "٢/ ٨١٩" أنهم "ملتحقون بالعوام، وكيف يُدعَون مجتهدين ولا اجتهاد عندهم؟ وإنما غاية التصرف التردد على ظواهر الألفاظ؟! والآخر: في نسبة نفي التعليل للرازي وقفة، وقد تابع المصنف في زعمه المذكور الشيخ علال الفاسي في كتابه "مقاصد الشريعة" "ص ٧- ط دار الغرب"، وأحمد الخلميشي في كتابه "وجهة نظر" "ص ٢٨٦"، وبنى عليه حَشْرَ الرازي مع الظاهرية في صفٍّ واحد. ويمكن توضيح موقف الرازي من هذه القضية كالآتي: أولا: إنه ينكر التعليل الفلسفي في كتاباته الكلامية، وصرح بهذا في "تفسيره" "٢/ ١٥٤" عند قوله تعالى في [البقرة: ٢٩] : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} . ثانيا: هذا الإنكار منه ومن الأشاعرة كان فرارا من المقولات والإلزامات الاعتزالية، التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله. ثالثا: يرى تعليل الأحكام الشرعية تعليلا أصوليا فقهيا، ليس فيه إلزام لله سبحانه، وليس فيه تحتيم على مشيئته، وصرح بهذا ودافع عنه بقوة في كتابه "المحصول" "٢/ ٢/ ٢٣٧- ٢٤٢، ٢٩١"، بل قال في "مناظراته" "٢٥": "وأما بيان أن التعليل بالأوصاف المصلحية جائز، فهذا متفق عليه بين العقلاء". رابعا: نفي المصنف في نقله هذا عن الرازي ما أثبته هو، إذ كلامه في مقام التعليل الأصولي لا الفلسفي، وقد فرق بينهما ابن الهمام بقوله في "التحرير" "٣/ ٣٠٤- ٣٠٥- مع التيسير": والأقرب إلى التحقيق أن الخلاف لفظي، مبني على معنى الغرض، فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل، قال: لا تعلل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا، ومن فسره بالعائدة إلى العباد، قال: تعلل، وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه".=