للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشترط حُضُورِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ بَابِ التَّكْمِيلَاتِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ، مُنِعَ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ١ إِلَّا فِي السَّلَمِ، وَذَلِكَ فِي الْإِجَارَاتِ مُمْتَنِعٌ، فَاشْتِرَاطُ وُجُودِ الْمَنَافِعِ فِيهَا وَحُضُورِهَا يَسُدُّ بَابَ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، وَالْإِجَارَةُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، فَجَازَتْ وَإِنْ لَمْ يُحْضَرِ الْعِوَضُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَمِثْلُهُ جَارٍ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْمُدَاوَاةِ وَغَيْرِهِمَا.

وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ مَعَ وُلَاةِ الْجَوْرِ قَالَ الْعُلَمَاءُ بِجَوَازِهِ، قَالَ مَالِكٌ: "لَوْ تُرِكَ ذَلِكَ كان ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَالْجِهَادُ ضَرُورِيٌّ، وَالْوَالِي فِيهِ ضَرُورِيٌّ، وَالْعَدَالَةُ فِيهِ مُكَمِّلَةٌ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُكَمِّلُ إِذَا عَادَ لِلْأَصْلِ بِالْإِبْطَالِ، لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ مَعَ وُلَاةِ الْجَوْرِ٢ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم٣.


١ المقابل للحضور الغيبة، والمقابل للعدم الوجود، فإما أن يقول: "واشتراط وجود العوضين"، ثم يقول: "منع بيع المعدوم إلا في السلم" وهو ظاهر، وإما أن يقول كما قال أولا ثم يقول: "منع من بيع الغائب إلا في السلم"، فيعترض عليه بأن بيع الغائب الموصوف جائز، ومقتضى قوله بعد: "فاشتراط وجود المنافع وحضورها"، ثم قوله: "وَإِنْ لَمْ يُحْضَرِ الْعِوَضُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ" أن غرضه بقوله: "واشتراط حضور العوضين" اشتراط وجودهما وحضورهما، ولما كان الحضور يحرز الوجود استغنى به عنه أولا، فيبقى الكلام في اشتراط الحضور في البيع وقد علمت ما فيه. "د".
٢ الحاكم الجائر متى انطوت نفسه على أصل الاعتقاد بالإسلام يتسنى للذين أوتوا الحكمة أن يلقوا إليه بالنصيحة، ويقوموه بالموعظة، فإن لم يأتوا به إلى سبيل العدل جملة، خففوا من وطأة مظالمه شيئا كثيرا، وعلى فرض أن يتمادى في طغيانه الذي لا يخلو من رحمة تأخذه في كثير من الأحيان، فمن المتوقع انصرام أجله ورجوع الدولة إلى يد من هو أقوم سيرة وأشد رعاية للمصلحة، وترك الجهاد مع الحاكم الجائر يفضي بالأمة إلى أن يضرب عليها المخالفون سلطة قاتلة، ويضعوا بينها وبين الحياة الشريفة عقبات لا تتزلزل إلا بعد جهاد عنيف. "خ".
٣ يشير إلى ما أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أئمة الجور،=

<<  <  ج: ص:  >  >>