للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ مَمْنُوعُ الْوُقُوعِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِحُصُولِ الْجُزْئِيَّاتِ، فَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْجُزْئِيَّاتِ١.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكُلِّيِّ هُنَا أَنْ تَجْرِيَ أُمُورُ الْخَلْقِ عَلَى تَرْتِيبٍ وَنِظَامٍ وَاحِدٍ لَا تَفَاوُتَ فيه ولا اختلاف، وإهمال القصد في الجزئيات٢ يَرْجِعُ إِلَى إِهْمَالِ الْقَصْدِ فِي الْكُلِّيِّ، فَإِنَّهُ مع الإهمال لا يرجي كُلِّيًّا بِالْقَصْدِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مَقْصُودًا، هَذَا خُلْفٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ صِحَّةِ الْقَصْدِ إِلَى حُصُولِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ، فَانْحَتَمَ الْقَصْدُ إِلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.


١ هذا وحده غير كاف في الدليل، لأنه محتاج إلى إثبات أن ذلك في جميع الجزئيات وسيأتي تكميله بقوله: "وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ.... إلخ"، إلا أنه يبقى الكلام في تأخير هذه المقدمة عن الدليل المشار إليه بقوله: وأيضا، فإن القصد.... إلخ"، فهل ذلك لأنه محتاج إليها في إكماله؟ كما أن هذا محتاج إليها، فإن كان كذلك، كان تأخرها لتعود إليهما معا تكملة لهما، وربما يساعد على أن هذا غرضه قوله في نهاية الدليل الثاني: "فلا بد من صحة القصد إلى حصول الجزئيات"، فيكون مساويا لما فرعه على الدليل الذي نحن بصدده حيث قال: "فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات، يعني: ويكون كل من الدليلين محتاجا إلى هذه التكملة الأخيرة.
ولكن الذي يظهر أن الدليل الأخير لا يحتاج إليها؛ لأن القصد بالكلي أن لا يكون تفاوت بين الخلق في الترتيب والنظام، فإذا أهمل القصد في بعض الجزئيات، اقتضى أن لا يجري كليا بالقصد، أي: فتخلف أي جزئي ينافي هذا القصد الكلي، وعليه يتم الدليل، ولا حاجة لقوله: "وليس البعض أولى.... إلخ".
وإذا تم هذا، كان المناسب تقديم هذه المقدمة قبل قوله: "وأيضا"، ولو قال قائل: إنها مؤخرة عن موضعها بعمل النساخ لم يبعد. "د".
٢ أي: في أي جزئي، هذا الذي يقتضيه روح الدليل بعد تقرير الدليل قبله، لأنه لا يناسب أن يقال: إنه يكفي النظر إلى الجزئيات مطلقا كلا أو بعضا، لأن هذا هو ما قبله من لزوم النظر إلى الجزئيات الخارجية التي يكون بها التكليف، وأيضا، فقد قال: "لا يجري كليا بالقصد إذا أهملت الجزئيات"، فتعين قصد جميع الجزئيات لا بعضها، فتنبه لتقف على وجه ما قلناه من أن الدليل الأخير تام بدون التكملة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>