للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُعَارِضُ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا تَخَلُّفُ آحَادِ الْجُزْئِيَّاتِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ صَحِيحَةٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ فِيهَا لِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ السَّلَامَةِ مِنَ الْعَارِضِ الْمُعَارِضِ، فَلَا شَكَّ فِي انْحِتَامِ الْقَصْدِ إِلَى الْجُزْئِيِّ١، وَمَا تَقَدَّمَ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ وُرُودِ الْعَارِضِ عَلَى الْكُلِّيِّ، حَتَّى إِنَّ تَخَلُّفَ الْجُزْئِيِّ هُنَالِكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْجُزْئِيِّ فِي كُلِّيِّهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا نَقُولُ: إِنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ مَشْرُوعٌ- وَهَذَا كُلِّيٌّ مَقْطُوعٌ بِقَصْدِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرَعَ الْقِصَاصَ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ، فَقَتْلُ النَّفْسِ فِي الْقِصَاصِ مُحَافَظَةٌ عَلَيْهَا بِالْقَصْدِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَخَلُّفُ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْكُلِّيِّ الْمُحَافَظِ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِتْلَافُ هَذِهِ النَّفْسِ لِعَارِضٍ عَرَضَ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ، فَإِهْمَالُ هَذَا الْجُزْئِيِّ فِي كُلِّيِّهِ [مِنْ جِهَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى جُزْئِيٍّ فِي كَلَيِّهِ أَيْضًا، وَهُوَ النَّفْسُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا، فَصَارَ عَيْنُ اعْتِبَارِ الْجُزْئِيِّ فِي كُلِّيٍّ] ٢ هُوَ عَيْنُ إِهْمَالِ الْجُزْئِيِّ٣، لَكِنْ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّيِّهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا سائر ما يرد من هذا الباب.


١ أي: الذي بقي سالما من المعارض، أما ما تقدم، فهو في موضوع أنه يتخلف الجزئي عن الكلي لمعارض أخرجه من هذا الكلي وأدخله في كلي آخر، أو يكون عارضه اعتبار جزئي آخر لهذا الكلي ورجح عليه، وليس معناه أنه مع بقائه داخلا في هذا الكلي بدون معارضة يتخلف عنه ولا يأخذ حكمه من أمر أو نهي، فشتان ما بين الموضعين، ومثاله فيه إهمال لجزئي من قاعدة حفظ النفس لاعتبار جزئي آخر منها يعارضه اعتبار هذا المهمل، وإن كان في كل منهما أصل المحافظة على الكلي، لكنه أهمل أحدهما وهو المحافظة على الجاني بسبب جنايته. "د".
٢ ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وفي "ط": "كليه هو عين....".
٣ أي: إن اعتبار الجزئي وهو حفظ النفس المجني عليها إهمال للجزئي الآخر من هذا الكلي، وهو حفظ النفس الجانية، فأهمل هذا وأتلفت. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>