للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِفْرَادُهُ بِالْقَصْدِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَرَجَعَ إِلَى كَوْنِهِ مَقْصُودًا لَا بِالتَّبَعِيَّةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْجِهَةَ التَّابِعَةَ لَا يَصِحُّ إِفْرَادُهَا بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ التَّأْكِيدِ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا وَضَعَتْ كَلَامَهَا عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِهَذَا الْقَصْدِ؛ فَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِلْأُولَى يَقْتَضِي أَنَّ مَا تُؤَدِّيهِ مِنَ الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ إِلَّا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، فَلَوْ جَازَ أَخْذُهُ مَنْ غَيْرِهَا، لَكَانَ خُرُوجًا بِهَا عَنْ وَضْعِهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى حُكْمٍ زَائِدٍ عَلَى مَا في الأولى خروج لها عن كونها تَبَعًا لِلْأُولَى، فَيَكُونُ اسْتِفَادَةُ الْحُكْمِ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى غَيْرِ فَهْمٍ عَرَبِيٍّ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَمَا ذُكِرَ مِنِ اسْتِفَادَةِ الْأَحْكَامِ بِالْجِهَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا إِلَى الْجِهَةِ الْأُولَى، وَإِمَّا إِلَى جِهَةٍ ثَالِثَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ١.

فَأَمَّا مُدَّةُ الْحَيْضِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ دَالٌّ عَلَيْهَا، وَفِيهِ النِّزَاعُ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ٢: إِنَّ أَكْثَرَهَا عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَإِنْ سُلِّمَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ٣، وَفِيهِ الْكَلَامُ.

وَمَسْأَلَةُ الشَّافِعِيِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ ٤ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَقَلِّ مُدَّةِ.


١ أي: وإما لا استفادة أصلا كما في مدة الحيض على الشق الأول قبل التسليم، فإنه يمنع دلالة الحديث عليها، ويحتمل أنه يشير بالجهة الثالثة إلى ما سيأتي له في الفصل التالي من التأسي بالآداب القرآنية. "د".
٢ في الأصل و"ط": "الحنفي".
٣ أي: بل بدلالة غير وضعية، وكلامنا إنما هو في مستتبعات التراكيب، أي: دلالة الألفاظ. "د". قلت: انظر المسألة وأدلتها في "الخلافيات" "٣/ رقم ٤٨- وتعليقي عليها".
٤ غير واضح؛ لأنه إما أن يكون ما تقدم في الاستدلال من نفس كلام الشافعي أو لا، فإن كان الأول، فهذا الجواب غير ظاهر؛ لأن صريح الكلام يمنع هذا الجواب، وإن كان الثاني، فكيف ساغ نسبة هذا الدليل للشافعي من طرف المصحح؟ "د"

<<  <  ج: ص:  >  >>