للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحمل مأخوذة مِنَ الْجِهَةِ الْأُولَى١ لَا مِنَ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ٢، وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلَدِ لَا يُمْلَكُ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ مَمْنُوعٌ وَفِيهِ النِّزَاعُ، وَمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ، فَالْقَائِلُ بِالتَّعْمِيمِ إِنَّمَا بَنَى عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مَقْصُودٌ، وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِلَّا كَانَ تَنَاقُضًا، لِأَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرِيعَةِ إِنَّمَا أُخِذَ مِنْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْعُمُومِ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَهَكَذَا الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَمَنْ قَالَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} ٣ [الْجُمُعَةِ: ٩] ، فَهُوَ عِنْدُهُ مَقْصُودٌ لَا مُلْغًى، وَإِلَّا، لَزِمَ التَّنَاقُضُ فِي الْأَمْرِ٤ كَمَا ذُكِرَ، وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، لَمْ يَجْعَلُوا دُخُولَ الْأَمَةِ فِي حُكْمِ الْعَبْدِ بِالْقِيَاسِ إِلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ بِخُصُوصِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا يُفْرَضُ فِي هَذَا الْبَابِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْجِهَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ لَا يَثْبُتُ، فَلَا يَصِحُّ إِعْمَالُهُ أَلْبَتَّةَ، وَكَمَا أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنِ الدَّلِيلِ الثَّالِثِ، كَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، فَإِنَّ فِي الْأَوَّلِ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: "فَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَلَا يُمْكِنُ إِهْمَالُهُ"، وَهَذَا عَيْنُ مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي اسْتِقْلَالِ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، فَالصَّوَابُ إِذًا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، والله أعلم.


١ ليس هنا لفظ وضع للدلالة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، بل إنما أخذ ذلك من عملية جمع وطرح، فكان الباقي هو العدد المذكور، وهو من باب اللزوم قطعا، "د".
٢ أي: فيتوقف صحة الكلام على ثبوت هذا المعنى، وهو ما يسمى اقتضاء على بعض الاصطلاحات. "د".
٣ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و"ط".
٤ في "ط": "في الاستدلال".

<<  <  ج: ص:  >  >>