للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُحَرَّمَاتِ، وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا الْمُرُورَ مَعَ الْحُظُوظِ مُطْلَقًا خُرُوجًا عَنْ رِبْقَةِ الْعُبُودِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ تَقْيِيدٍ ملقٍ حِكْمَةَ الشَّرْعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ، وَلِرَفْعِ هَذَا الِاسْتِرْسَالِ جَاءَتِ الشَّرَائِعُ، كَمَا أَنَّ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ مُسَخَّرٌ لِلْإِنْسَانِ١.

فَالْحَقُّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الأمرين تحت تظر الْعَدْلِ، فَيَأْخُذُ فِي الْحُظُوظِ مَا لَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ، وَيَتْرُكُ الْحُظُوظَ مَا لَمْ يُؤَدِّ التَّرْكُ إِلَى مَحْظُورٍ، وَيَبْقَى فِي الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ عَلَى تَوَازُنٍ، فَيَنْدُبُ إِلَى فِعْلِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي فِيهِ حَظُّهُ كَالنِّكَاحِ مَثَلًا، وَيَنْهَى عَنِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا حَظَّ فِيهِ عَاجِلًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَيَنْظُرُ فِي الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، وَفِي الْمَكْرُوهِ الَّذِي لَهُ فِيهِ حَظٌّ -أَعْنِي: الْحَظَّ الْعَاجِلَ-، فَإِنْ كَانَ تَرْكُ حَظِّهِ فِي الْمَنْدُوبِ٢ يُؤَدِّي لِمَا يُكْرَهُ شَرْعًا، أَوْ لِتَرْكِ مَنْدُوبٍ هُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا، كَانَ اسْتِعْمَالُهُ الْحَظَّ وَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى، كَتَرْكِ التَّمَتُّعِ بزوجته المؤدي إلى التشوف إلى الأجنبيات، حسبما نَبَّهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ٣: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فأعجبته....." ٤.


١ ومهيأ لحظوظه، فالمطلوب الاعتدال، فلا حرمان مما هيأه الله له، ولا استرسال فيه. "د".
قلت: وفي الأصل "مسخرة للإنسان".
٢ أي: فإن كان ترك حظ من حظوظه بسبب فعله مندوبا لا حظ لنفسه فيه يؤدي إلى فعل مكروه شرعا، أو إلى ترك مندوب آخر أفضل منه، كان استعماله لحظه بترك هذه المندوب المؤدي فعله لأحد هذين الأمرين أولى به، وذلك كما إذا كان اشتغاله بنافلة الصلاة يحول بينه وبين التمتع بزوجته، فيؤدي ذلك إلى تطلعه للأجنبيات وتشوقه للنظر إليهن، فيكون ترك النافلة وتمتعه بزوجه أولى. "د".
٣ أي، فإنه يفيد أن التمتع بالزوجة يكسر من الشهوة حتى لا ينبعث إلى النظر للأجنبية. "د".
٤ أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه =

<<  <  ج: ص:  >  >>