للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَقْصُودُ الشَّارِعِ فِيهَا الرَّفْعُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ فِيهَا الرُّخَصُ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ خَارِجَةً عَنِ الْمُعْتَادِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَعُ الْمَشَقَّةُ فِي مِثْلِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، فَالشَّارِعُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وُقُوعَهَا، فَلَيْسَ بِقَاصِدٍ لِرَفْعِهَا أَيْضًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَاصِدًا لِرَفْعِهَا لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَادِيٍّ أَوْ غَيْرِ عَادِيٍّ يَسْتَلْزِمُ تَعَبًا وَتَكْلِيفًا عَلَى قَدْرِهِ، قَلَّ أَوْ جَلَّ، إِمَّا فِي نَفْسِ الْعَمَلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ، وَإِمَّا فِي خُرُوجِ الْمُكَلَّفِ عَمَّا كَانَ فِيهِ إِلَى الدُّخُولِ فِي عَمَلِ التَّكْلِيفِ، وَإِمَّا فِيهِمَا مَعًا، فَإِذَا اقْتَضَى الشَّرْعُ رَفْعَ ذَلِكَ التَّعَبِ، كَانَ ذَلِكَ اقْتِضَاءً لِرَفْعِ الْعَمَلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَكَانَ ما يَسْتَلْزِمُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ.

إِلَّا أَنَّ هُنَا نَظَرًا١، وَهُوَ أَنَّ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ فِي الْأَعْمَالِ الْمُعْتَادَةِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ، فَلَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَالْمَشَقَّةِ فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الصِّيَامِ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصِّيَامِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْحَجِّ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْجِهَادِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ التَّكْلِيفِ، وَلَكِنَّ كُلَّ عَمَلٍ فِي نَفْسِهِ لَهُ مَشَقَّةٌ مُعْتَادَةٌ فِيهِ تُوَازِي مَشَقَّةَ مِثْلِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، فَلَمْ تَخْرُجْ عَنِ الْمُعْتَادِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْأَعْمَالَ الْمُعْتَادَةَ٢ لَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ فِيهَا تجري على وزان واحد، في


١ هذا هو محل الفائدة من هذه المسألة، يحقق فيه أن المشقة المعتادة نسبية يحتاج فهمها إلى دقة نظر بالنسبة لكل عمل في ذاته، حتى لا تختلط أنواع المشقات، فتختلط الأحكام المترتبة عليها. "د".
قلت: انظر في حدود المشقة: "الذخيرة" للقرافي "١/ ٣٤٠- ط دار الغرب".
٢ أي: من أعمال التكليف بدليل سابقه ولاحقه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>