وخلاصة ذلك أن المشقات التي تقتضي التخفيف مما لم يَرِد بشأنها شيء من الشارع، هي المشقات التي تكشف العادات والأعراف عن أنها خارجة عن المعتاد وتلحق خللا في العبد أو ماله أو حال من أحواله. وقد استشكل القرافي في "الفروق" "١/ ١١٩-١٢٠- الفرق ١٤" أن يكون العرف ضابطا للمشقة التي تجلب التيسير فيما لا نص فيه، وذكر أن الفقهاء يحيلون على العرف عند سؤالهم، مع أنهم من أهل العرف، فلو كان هناك عرف قائم لوجدوه معلوما لهم أو معروفا، ولا تصح الإحالة على غير الفقهاء؛ لأنه ليس بعد الفقهاء من أهل العرف إلا العوام، وهم مما لا يصح تقليدهم في الدين. ولذلك، فقد مال القرافي إلى الأخذ بمنهج ابن عبد السلام في التقريب بقواعد الشرع، كما تراه في كتابه" قواعد الأحكام" "٢/ ٩-١٠"، ولكن الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" "٦/ ٢٧١" تعقب كلام القرافي، وذكر أن فيه نظرا ظاهرا، قال: "وأقول فيما استشكله من نوط ما لم يرد في الشرع بالعرف نظر ظاهر، فإن العلماء الذين ناطوا بعض المسائل بالعرف إنما وقع ذلك منهم أفذاذا أثناء البحث أو التصنيف، ويجوز أن يجهل كل فرد منهم العرف العام في كثير من المسائل، وما اجتمع علماء عصر أو قطر للبحث عن عرف الناس في أمر ومحاولة ضبطه وتحديده، ثم عجزوا عن معرفته وأحالوا في ذلك على العامة، أن من العلماء الفقير البائس والضعيف المنة -أي: القوة والجلد- والغني المترف، والقوي الجلد وغير ذلك، فيشق على بعضهم ما لا يشق على الجمهور، ويسهل على بعضهم ما لا يسهل على الجمهور، فالرجوع إلى العرف فيما يشق على الناس وما لا يشق عليهم ضروري لا بد منه، وهو لا يعرف إلا بمباشرة الناس وتعرف شئونهم وأحوالهم".