للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُكِّدَتْ جِهَةُ الْكَفِّ هُنَا بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ فِي الدُّنْيَا، وَالْإِيعَادِ بِالنَّارِ فِي الْآخِرَةِ، كَالنَّهْيِ عَنْ قتل النفس والزنى، وَالْخَمْرِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وَأَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَالسَّرِقَةِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّبْعَ النَّازِعَ إِلَى طَلَبِ مَصْلَحَةِ الْإِنْسَانِ وَدَرْءِ مَفْسَدَتِهِ يَسْتَدْعِي الدُّخُولَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ جَرَى الرَّسْمُ الشَّرْعِيُّ فِي قِسْمِ الْكِفَايَةِ مِنَ الضَّرْبِ الثَّانِي أَوْ أَكْثَرِ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّ عِزَّ السُّلْطَانِ، وَشَرَفَ الْوِلَايَاتِ، وَنَخْوَةَ الرِّيَاسَةِ، وَتَعْظِيمَ الْمَأْمُورِينَ لِلْآمِرِ مِمَّا جُبِلَ الْإِنْسَانُ عَلَى حبه، فكان الأمر بهم جَارِيًا مَجْرَى النَّدْبِ لَا الْإِيجَابِ، بَلْ جَاءَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِالشُّرُوطِ الْمُتَوَقَّعِ خِلَافُهَا، وَأَكَّدَ النَّظَرَ فِي مُخَالَفَةِ الدَّاعِي، فَجَاءَ كَثِيرٌ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ عَمَّا تَنْزِعُ إِلَيْهِ النَّفْسُ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] إِلَى آخِرِهَا.

وَفِي الْحَدِيثَ: "لَا تَطْلُبُ الْإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ طَلَبْتَهَا بِاسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وُكِّلْتَ إِلَيْهَا" ١، أَوْ كَمَا قَالَ.

وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ غُلُولِ الْأُمَرَاءِ٢، وَعَنْ عَدَمِ النُّصْحِ فِي الْإِمَارَةِ٣، لما كان


١ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} ، ١١/ ٥١٦-٥١٧/ رقم ٦٦٢٢، وكتاب كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل الحنث وبعده، ١١/ ٦٠٨/ رقم ٦٧٢٢" من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.
٢ من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "هدايا الأمراء غلول"، وسيأتي تخريجه "٣/ ١١٨".
٣ أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح، ١٣/ ١٢٦-١٢٧/ رقم ٧١٥٠/ ٧١٥١"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، ١/ ١٢٥/ رقم ٢٢٧، وكتاب الإمارة، باب فضيلة الإم العادل، ٣/ ١٤٦٠" عن معقل بن يسار مرفوعا: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، لم يجد رائحة الجنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>