للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْصُلُ فِيهِ١ الْعَمَلُ الْمُبَرَّأُ مِنَ الْحَظِّ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ مَا ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ أوَّلًا مِنْ حَظِّ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنِ احْتِرَامِ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْفَضْلِ وَالْعَدَالَةِ، وَجَعْلِهِمْ عُمْدَةً فِي الشَّرِيعَةِ فِي الْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَإِقَامَةِ الْمَعَالِمِ الدِّينِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ زَائِدًا إِلَى مَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَحُبِّ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ لَهُمْ، وَوُضِعَ الْقَبُولُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يُحِبَّهُمْ النَّاسُ وَيُكْرِمُونَهُمْ وَيُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمَا يُخَصُّونَ بِهِ مِنِ انْشِرَاحِ الصُّدُورِ، وَتَنْوِيرِ الْقُلُوبِ، وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، وَالْإِتْحَافِ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ مُسْنَدًا إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ: "مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارِبَةِ" ٢.

وَأَيْضًا، فَإِذَا كَانَ مَن هَذَا وصفُه قَائِمًا بِوَظِيفَةٍ عَامَّةٍ لَا يَتَفَرَّغُ بِسَبَبِهَا لِأُمُورِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ وَنِيلِ حُظُوظِهِ، وَجَبَ عَلَى الْعَامَّةِ أَنْ يَقُومُوا له بذلك ويتكلفوا لَهُ بِمَا يُفَرِّغُ بَالَهُ لِلنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ، مِنْ بُيُوتِ أَمْوَالِهِمُ الْمُرْصَدَةِ لِمَصَالِحِهِمْ، إِلَى مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى نَيْلِ حَظِّهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَأَنْتَ تَرَاهُ لَا يُعَرَّى عَنْ نَيْلِ حُظُوظِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِي طَرِيقِ تَجَرُّدِهِ عَنْ حُظُوظِهِ، وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَعْظَمُ.

وَأَمَّا الثَّانِي:

فَإِنَّ اكْتِسَابَ الْإِنْسَانِ لِضَرُورِيَّاتِهِ فِي ضِمْنِ قَصْدِهِ إِلَى الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يَتَنَعَّمُ بِهَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ أَكْلَ الْمُسْتَلِذَّاتِ، وَلِبَاسَ اللينات، وركوب


١ أي: يحصل بسببه العمل المطلوب منه الذي جعل مما لا حظ فيه كإقامة الحياة بسائر أسبابها من أكل وشرب ولباس ومسكن وغيرها، فالقسم الذي فيه للمكلف حظ يحصل بسبب القسم الذي لا حظ فيه. "د".
٢ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الرقاق، باب التواضع ١١/ ٣٤٠-٣٤١/ رقم ٦٥٠٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>