ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه من أكل السّمّ. ومنه مشي سعد بن أبي وقاص، وأبي مسلم الخولاني بالجيوش على متن البحر. ومنه أمر عمر رضي الله عنه لتميم حيث خرجت النار من الحرّة أن يردّها فدخل إليها في الغار التي خرجت منه. فهذا كلّه لا يصلح إلا لخواصّ من الناس، قوي إيمانهم بالله وقضائه وقدره، وتوكّلهم عليه وثقتهم به.
ونظير ذلك دخول المفاوز بغير زاد، فإنّه يجوز لمن قوي يقينه وتوكّله خاصّة وقد نصّ عليه أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة. وكذلك ترك التكسّب والتّطبّب.
كلّ ذلك يجوز عند الإمام أحمد لمن قوي توكّله؛ فإنّ التوكّل أعظم الأسباب التي تستجلب بها المنافع ويستدفع بها المضارّ، كما قال الفضيل: لو علم الله منك إخراج المخلوقين من قلبك لأعطاك كلّ ما تريد.
وبذلك فسّر الإمام أحمد التوكّل، فقال: هو قطع الاستشراف بالإياس من المخلوقين، قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قول إبراهيم عليه السّلام لمّا ألقي في النار، فعرض له جبريل عليه السّلام، فقال: ألك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا.
فلا يشرع ترك الأسباب الظاهرة إلاّ لمن تعوّض عنها بالسّبب الباطن، وهو تحقيق التوكّل، فإنّه أقوى من الأسباب الظاهرة لأهله، وأنفع منها. فالتوكّل علم وعمل؛ فالعلم معرفة القلب بتوحيد الله بالنّفع والضّرّ، وعامة المؤمنين تعلم ذلك. والعمل هو ثقة القلب بالله وفراغه من كلّ ما سواه، وهذا عزيز ويختصّ به خواصّ المؤمنين.
[والأسباب نوعان]
أحدهما: أسباب الخير، فالمشروع أنّه يفرح بها، ويستبشر، ولا يسكن إليها، بل إلى خالقها ومسببها، وذلك هو تحقيق التوكّل على الله والإيمان به،