للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤]. وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: ٢ - ٤].

ومعلوم أنّه لم يبعث في مكّة رسول منهم بهذه الصفة غير محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهو من ولد إسماعيل، كما أنّ أنبياء بني إسرائيل من ولد إسحاق. وذكر الله تعالى أنّه منّ على المؤمنين بهذه الرّسالة، فليس لله نعمة أعظم من إرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم.

وقوله: {فِي الْأُمِّيِّينَ} - والمراد بهم العرب - تنبيه لهم على قدر هذه النّعمة وعظمها، حيث كانوا أمّيّين لا كتاب لهم، وليس عندهم شيء من آثار النّبوّات، كما كان عند أهل الكتاب، فمنّ الله عليهم بهذا الرسول وبهذا الكتاب، حتى صاروا أفضل الأمم وأعلمهم، وعرفوا ضلالة من ضلّ من الأمم قبلهم.

[وفي كونه منهم فائدتان]

إحداهما: أنّ هذا الرّسول كان أيضا أميّا كأمّته المبعوث إليهم، لم يقرأ كتابا قطّ، ولم يخطّه بيمينه، كما قال تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨] الآيات، ولا خرج عن ديار قومه فأقام عند غيرهم حتّى تعلّم منهم شيئا، بل لم يزل أمّيّا بين أمّة أمّيّة، لا يكتب ولا يقرأ حتى كمّل الأربعين من عمره، ثمّ جاء بعد ذلك بهذا الكتاب المبين، وهذه الشريعة الباهرة، وهذا الدّين القيّم، الذي اعترف حذّاق أهل الأرض ونظّارهم أنّه لم يقرع العالم ناموس أعظم منه. وفي هذا برهان ظاهر على صدقه.

<<  <   >  >>