القول!! واحتجّ في ذلك بكلام لم أحفظه. وذكر أنّ أمّه حين ولدت رأت نورا أضاء له قصور الشام، أو ليس هذا عند ما ولدت رأت هذا، وقبل أن يبعث كان طاهرا مطهّرا من الأوثان، أو ليس كان لا يأكل ما ذبح على النّصب؟ ثم قال:
احذروا الكلام، فإنّ أصحاب الكلام لا يئول أمرهم إلى خير. خرّجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في «كتاب السّنّة».
ومراد الإمام أحمد الاستدلال بتقديم البشارة بنبوّته من الأنبياء الذين قبله، وبما شوهد عند ولادته من الآيات، على أنّه كان نبيّا من قبل خروجه إلى الدنيا وولادته، وهذا هو الذي يدلّ عليه حديث العرباض هذا؛ فإنّه صلّى الله عليه وسلّم ذكر فيه أنّ نبوّته كانت حاصلة من حين كان آدم منجدلا في طينته؛ والمراد بالمنجدل الطّريح الملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه، ويقال للقتيل إنه منجدل لذلك.
ثم استدل صلّى الله عليه وسلّم على سبق ذكره، والتنويه باسمه، ونبوّته، وشرف قدره لخروجه إلى الدّنيا، بثلاث دلائل؛ وهو مراده بقوله:«وسأنبئكم بتأويل ذلك»:
الدّليل الأوّل: دعوة أبيه إبراهيم عليه السّلام؛ وأشار بذلك إلى ما قصّ الله في كتابه عن إبراهيم وإسماعيل أنّهما قالا عند بناء البيت الذي بمكة: {رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ١٢٧ - ١٢٩].
فاستجاب الله دعاءهما وبعث في أهل مكّة منهم رسولا بهذه الصّفة من ولد إسماعيل الذي دعا مع أبيه إبراهيم عليهما السّلام بهذا الدّعاء. وقد امتنّ الله تعالى على المؤمنين ببعث هذا النّبيّ فيهم على هذه الصّفة التي دعا بها إبراهيم وإسماعيل.