للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللّبنة» (١) زاد مسلم، قال: «فجئت فختمت الأنبياء». وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معناه.

وفيه: «فجعل النّاس يطوفون به ويقولون: هلاّ وضعت اللبنة؟ فأنا اللّبنة، وأنا خاتم النّبيّين» (٢).

وقد استدلّ الإمام أحمد بحديث العرباض بن سارية هذا على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يزل على التوحيد منذ نشأ. وردّ بذلك على من زعم غير ذلك. بل قد يستدلّ بهذا الحديث على أنّه صلّى الله عليه وسلّم ولد نبيّا، فإنّ نبوّته وجبت له من حين أخذ الميثاق منه، حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبيّا من حينئذ، لكن كانت مدّة خروجه إلى الدّنيا متأخّرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبيّا قبل خروجه، كمن يولّى ولاية ويؤمر بالتّصرّف بها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرّفه يتأخّر إلى حين مجيء الوقت.

قال حنبل: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد -: من زعم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان على دين قومه قبل أن يبعث؟ قال: هذا قول سوء، ينبغي لصاحب هذه المقالة يحذر كلامه، ولا يجالس، قلت له: إنّ جارنا النّاقد أبا العبّاس يقول هذه المقالة، قال: قاتله الله، وأي شيء أبقى إذا زعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام؟! قال الله تعالى - حاكيا عن عيسى عليه السّلام -:

{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦]. قلت له: وزعم أنّ خديجة كانت على ذلك حين تزوّجها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجاهلية. قال: أمّا خديجة فلا أقول شيئا، قد كانت أوّل من آمن به من النساء، ثم قال: ماذا يحدث النّاس من الكلام!؟ هؤلاء أصحاب الكلام، من أحبّ الكلام لم يفلح. سبحان الله لهذا


(١) أخرجه: البخاري (٤/ ٢٢٦) (٣٥٣٤)، ومسلم (٧/ ٦٤) (٢٢٨٧).
(٢) أخرجه: البخاري (٤/ ٢٢٦) (٣٥٣٥)، ومسلم (٧/ ٦٥) (٢٢٨٦).

<<  <   >  >>