رمضان بيوم أو يومين، إلاّ من له عادة أو من كان يصوم صوما. وأكثر العلماء على أنّه نهى عن التقدّم إلاّ لمن كانت له عادة بالتطوّع فيه، وهو ظاهر الحديث. ولم يذكر أكثر العلماء في تفسيره بذلك اختلافا، وهو الذي اختاره الشافعيّ في تفسيره ولم يرجّح ذلك الاحتمال المتقدّم. وعلى هذا فيرجّح حديث أبي هريرة على حديث عمران؛ فإنّ حديث أبي هريرة فيه نهي عامّ للأمّة عموما، فهو تشريع عامّ للأمّة، فيعمل به.
وأمّا حديث عمران فهي قضيّة عين في حقّ رجل معيّن، فيتعيّن حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدّم به جمعا بين الحديثين. وأحسن ما حمل عليه أنّ هذا الرّجل الذي سأله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان قد علم منه صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان قد أفطر فيه بعضه، فسأله عن صيام آخره، فلمّا أخبره أنّه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر؛ لأنّ صيام أوّل شوال كصيام آخر شعبان، وكلاهما حريم لرمضان. وفيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوّع بالصيام، وأن يكون في أيام مشابهة للأيّام التي فات فيها الصّيام في الفضل، وفيه دليل على أنّه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما.
[فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال]
أحدها: أن يصومه بنيّة الرّمضانيّة احتياطا لرمضان، فهذا منهيّ عنه، وقد فعله بعض الصحابة، وكأنّهم لم يبلغهم النهي عنه؛ وفرّق ابن عمر بين يوم الغيم والصّحو في يوم الثلاثين من شعبان، وتبعه الإمام أحمد.
والثاني: أن يصام بنيّة النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفّارة ونحو ذلك، فجوّزه الجمهور. ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم مطلقا، وهم طائفة من السّلف. وحكي كراهته أيضا عن أبي حنيفة والشافعي، وفيه نظر.