والثالث: أن يصام بنيّة التطوّع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن، وإن وافق صوما كان يصومه، ورخّص فيه مالك ومن وافقه، وفرّق الشافعيّ والأوزاعيّ وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا، وكذلك يفرق بين من تقدّم صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان، فلا يكره أيضا إلاّ عند من كره الابتداء بالتطوّع بالصّيام بعد نصف شعبان؛ فإنّه ينهى عنه إلاّ أن يبتدئ الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان.
وفي الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء، وأنّه يكره التقدّم قبل رمضان بالتطوّع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره.
ولكراهة التقدّم ثلاثة معان:
أحدها: أنّه على وجه الاحتياط لرمضان، فينهى عن التقدّم قبله؛ لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.
وخرّج الطبرانيّ وغيره عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إنّ ناسا كانوا يتقدّمون الشهر فيصومون قبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات: ١]. قالت عائشة: إنّما الصوم صوم النّاس، والفطر فطر النّاس.
ومع هذا فكان من السّلف من يتقدّم للاحتياط، والحديث حجّة عليه، ولهذا نهي عن صيام يوم الشكّ. قال عمّار: من صامه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم.
ويوم الشكّ: هو اليوم الذي يشكّ فيه؛ هل هو من رمضان أو غيره؟ فكان من المتقدّمين من يصومه احتياطا، ورخّص فيه بعض الحنفيّة للعلماء في أنفسهم خاصّة دون العامّة؛ لئلا يعتقدوا وجوبه بناء على أصلهم في أنّ صوم