للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفائدة الثانية: التنبيه على أنّ المبعوث منهم - وهم الأمّيّون خصوصا أهل مكّة - يعرفون نسبه، وشرفه، وصدقه، وأمانته، وعفّته، وأنّه نشأ بينهم معروفا بذلك كلّه، وأنّه لم يكذب قطّ؛ فكيف كان يدع الكذب على النّاس ثم يفتري الكذب على الله عزّ وجلّ، هذا هو الباطل، ولذلك سأل هرقل عن هذه الأوصاف، واستدلّ بها على صدقه فيما ادّعاه من النّبوّة والرّسالة.

وقوله: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ،} يعني يتلو عليهم ما أنزله الله عليه من آياته المتلوّة، وهو القرآن، وهو أعظم الكتب السّماويّة، وقد تضمّن من العلوم والحكم، والمواعظ، والقصص، والترغيب والترهيب، وذكر أخبار من سبق، وأخبار ما يأتي من البعث والنّشور والجنّة والنّار، ما لم يشتمل عليه كتاب غيره، حتّى قال بعض العلماء: لو أنّ هذا الكتاب وجد مكتوبا في مصحف في فلاة من الأرض، ولم يعلم من وضعه هناك، لشهدت العقول السّليمة أنّه منزل من عند الله، وأنّ البشر لا قدرة لهم على تأليف ذلك، فكيف إذا جاء على يدي أصدق الخلق وأبرّهم وأتقاهم، وقال: إنّه كلام الله، وتحدّى الخلق كلّهم أن يأتوا بسورة مثله، فعجزوا. فكيف يبقى مع هذا شكّ فيه؟ ولهذا قال تعالى: {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢].

وقال: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١].

فلو لم يكن لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم من المعجزات الدّالّة على صدقه غير هذا الكتاب لكفاه، فكيف وله من المعجزات الأرضيّة والسّماويّة ما لا يحصى (١).


(١) زاد في أ:
«كانشقاق القمر، وتسليم الحجر، ونبع الماء من بين أصبعيه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير، وحنين الجذع إليه، وتسبيح الحصى في كفيه، وشكاية البعير إليه، وشهادة الشاة المصلية، وإظلال السحاب عليه قبل أن يبعث، وحديث شاة أم معبد، وإدرار لبنها من غير أن تكون ذات لبن، والثاني كالنور المتنقل، وحديث الخثعمية، وصدقه لهم وأمانته».

<<  <   >  >>