وقوله:{وَيُزَكِّيهِمْ،} يعني أنّه يزكّي قلوبهم ويطهّرها من أدناس الشّرك والفجور والضّلال؛ فإنّ النفوس تزكوا إذا طهرت من ذلك كلّه، ومن زكت نفسه فقد أفلح، كما قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها}[الشّمس: الآية ٩]. وقال:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى}[الأعلى: ١٤].
وقوله:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ،} يعني بالكتاب القرآن، والمراد:
ويعلّمهم تلاوة ألفاظه. ويعني بالحكمة فهم معاني القرآن والعمل بما فيه.
فالحكمة هي فهم القرآن والعمل به، فلا يكتفى بتلاوة ألفاظ الكتاب حتّى يعلم معناه ويعمل بمقتضاه، فمن جمع له ذلك كلّه فقد أوتي الحكمة. قال تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}[البقرة: ٢٦٩].
قال الفضيل: العلماء كثير، والحكماء قليل. وقال: الحكماء ورثة الأنبياء فالحكمة هي العلم النافع الذي يتبعه العمل الصّالح. وهي نور يقذف في القلب يفهم بها معنى العلم المنزّل من السّماء، ويحضّ على اتّباعه والعمل به. ومن قال: الحكمة السّنّة، فقوله حقّ؛ لأنّ السّنّة تفسّر القرآن وتبيّن معانيه وتحضّ على اتّباعه والعمل به؛ فالحكيم هو العالم المستنبط لدقائق العلم المنتفع بعلمه بالعمل به ولأبي العتاهية.
وكيف تحبّ أن تدعى حكيما … وأنت لكلّ ما تهوى ركوب
وتضحك دائبا ظهرا لبطن … وتذكر ما عملت فلا تتوب
وقوله:{وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ،} إشارة إلى ما كان النّاس عليه قبل إنزال هذا الكتاب من الضلال، فإنّ الله نظر حينئذ إلى أهل الأرض، فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلاّ بقايا من أهل الكتاب تمسّكوا بدينهم الذي لم يبدّل ولم يغيّر، وكانوا قليلا جدّا.