للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت الجمادات تتصدّع من ألم مفارقة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فكيف بقلوب المؤمنين؟!.

لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حنّ إليه، وصاح كما يصيح الصّبيّ، فنزل إليه فاعتنقه، فجعل يهدّى كما يهدّى الصبيّ الذي يسكّن عند بكائه، فقال: «لو لم أعتنقه لحنّ إلى يوم القيامة» (١).

كان الحسن إذا حدّث بهذا الحديث بكى، وقال: هذه خشبة تحنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه. وروي أنّ بلالا كان يؤذّن بعد وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل دفنه، فإذا قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله، ارتجّ المسجد بالبكاء والنّحيب، فلمّا دفن ترك بلال الأذان.

ما أمرّ عيش من فارق الأحباب، خصوصا من كانت رؤيته حياة الألباب.

لو ذاق طعم الفراق رضوى … لكاد من وجده يميد

قد حمّلوني عذاب شوق … يعجز عن حمله الحديد

لمّا دفن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، قالت فاطمة: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التّراب؟ قال أنس: لمّا كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أضاء منها كلّ شيء، فلمّا كان اليوم الذي دفن فيه أظلم منها كلّ شيء (٢)، وما نفضنا [أيدينا] (٣) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّا لفي دفنه حتّى أنكرنا قلوبنا.


(١) أخرجه: أحمد (٣٦٣، ١/ ٢٤٩)، وابن ماجه (١٤١٥)، وأبو يعلى (٣٣٨٤)، وأصل الحديث في «صحيح البخاري» (٤/ ٢٣٧، ٣/ ٨٠، ١/ ١٢٢) (٣٥٨٣ - ٣٥٨٥) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه: أحمد (٣/ ٢٤٠)، وإسناده صحيح.
(٣) ليست في ص، ب وهي ملحقة في أبين الأسطر.

<<  <   >  >>