الحديث: إنّ هذا الرجل الذي سأله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعلم أنّ له عادة بصيامه، أو كان قد نذره، فلذلك أمره بقضائه.
وقالت طائفة: حديث عمران يدلّ على أنّه يجوز صيام يوم الشكّ وآخر شعبان مطلقا، سواء وافق عادة أو لم يوافق. وإنما ينهى عنه إذا صامه بنيّة الرّمضانية احتياطا، وهذا مذهب مالك، وذكر أنّه القول الذي أدرك عليه أهل العلم، حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه: يكره الأمر بفطره؛ لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده. وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار، وذكر محمد بن ناصر الحافظ أنّ هذا هو مذهب أحمد أيضا، وغلط في نقله هذا عن أحمد.
ولكن يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله:«إلاّ من كان يصوم صوما فليصمه». وقد ذكر الشافعيّ في كتاب «مختلف الحديث» احتمالا في معنى قوله: «إلا من كان يصوم صوما فليصمه». وفي رواية:«إلاّ أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم»: أنّ المراد بموافقة العادة صيامه على عادة النّاس في التطوع بالصّيام دون صيامه بنيّة الرّمضانية للاحتياط. وقالت طائفة:
سرّ الشهر: أوله.
وخرّج أبو داود في «باب تقدّم رمضان» من حديث معاوية أنّه قال: إنّي متقدّم الشهر، فمن شاء فليتقدّم، فسئل عن ذلك، فقال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «صوموا الشهر وسرّه»(١). ثم حكى أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أنّ سرّ الشهر أوّله. قال أبو داود: وقال بعضهم: سرّه: وسطه.
وفرّق الأزهريّ بين سرار الشهر وسره، فقال: سراره وسرره: آخره، وسرّه: وسطه، وهي أيّام البيض، وسرّ كلّ شيء جوفه.
(١) أخرجه: أبو داود (٢٣٢٩ - ٢٣٣١)، وسيأتي له شاهد من حديث عمران، عند مسلم.