للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار (١)، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع. وكان قد أتاه صلّى الله عليه وسلّم سبي مرّة، فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادما يكفيها مئونة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها، وقال: «لا أعطيك وأدع أهل الصّفّة تطوى بطونهم من الجوع» (٢).

وكان جوده صلّى الله عليه وسلّم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أنّ جود ربّه يتضاعف فيه أيضا، فإنّ الله جبله على ما يحبّه من الأخلاق الكريمة، وكان على ذلك من قبل البعثة.

ذكر ابن إسحاق عن وهب بن كيسان، عن عبيد بن عمير، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجاور في حراء من كلّ سنة شهرا، يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به ما أراد من كرامته، من السّنة التي بعثه فيها، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج إلى حراء كما كان يخرج لجواره معه أهله، حتّى إذا كانت اللّيلة التي أكرمه الله تعالى برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل من الله عزّ وجلّ (٣).

ثم كان بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك؛ فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السّلام، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم، ويدارسه الكتاب الذي جاء به إليه (٤)، وهو أشرف الكتب وأفضلها، وهو يحثّ على الإحسان ومكارم الأخلاق.


(١) أخرجه: الحاكم (٤/ ١٠٥).
(٢) أخرجه: البخاري (٣١١٣) (٤/ ١٠٢)، ومسلم (٨/ ٨٤) (٢٧٢٧)، وأحمد (١/ ١٠٦).
(٣) أخرجه: ابن هشام في «السيرة النبوية» (١/ ٢٣٦).
(٤) الحديث عند البخاري (٦) (١/ ٤)، ومسلم (٢٣٠٨) (٧/ ٧٣)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>