للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم حين خرجوا على غاية من قلّة الظهر والزّاد؛ فإنّهم لم يخرجوا مستعدّين لحرب، ولا لقتال، إنما خرجوا لطلب العير، فكان معهم نحو سبعين بعيرا يعتقبونها بينهم، كلّ ثلاثة على بعير. وكان للنبي صلّى الله عليه وسلّم زميلان، فكانوا يعتقبون على بعير واحد، فكان زميلاه يقولان له:

يا رسول الله، اركب حتى نمشي عنك، فيقول: «ما أنتما بأقوى على المشي منّي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما». ولم يكن معهما إلا فرسان، وقيل: ثلاثة، وقيل: فرس واحد للمقداد.

وبلغ المشركين خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم لطلب العير، فأخذ أبو سفيان بالعير نحو الساحل، وبعث إلى أهل مكّة يخبرهم الخبر، ويطلب منهم أن ينفروا لحماية عيرهم، فخرجوا مستصرخين، وخرج أشرافهم ورؤساؤهم، وساروا نحو بدر.

واستشار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسلمين في القتال، فتكلّم المهاجرون فسكت عنهم، وإنما كان قصده الأنصار؛ لأنّه ظنّ أنّهم لم يبايعوه إلاّ على نصرته على من قصده في ديارهم، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيّانا تريد - يعني الأنصار - والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا (١). وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]، ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك، وبين يديك، ومن خلفك.

فسرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك وأجمع على القتال (٢).

وبات تلك الليلة الجمعة سابع عشر رمضان قائما يصلّي ويبكي ويدعو الله ويستنصره على أعدائه.


(١) أخرجه: مسلم (٥/ ١٧٠) (١٧٧٩)، وأحمد (٣/ ٢٢٠).
(٢) أخرجه: البخاري (٥/ ٩٣) (٣٩٥٢).

<<  <   >  >>