ومنها: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يشدّ المئزر. واختلفوا في تفسيره؛ فمنهم من قال:
هو كناية عن شدّة جدّه واجتهاده في العبادة، كما يقال: فلان يشدّ وسطه ويسعى في كذا. وهذا فيه نظر؛ فإنّها قالت:«جدّ وشدّ المئزر»، فعطفت «شدّ المئزر» على جدّه، والصحيح أنّ المراد اعتزاله للنساء، وبذلك فسّره السّلف والأئمة المتقدّمون؛ منهم سفيان الثوري. وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس، وورد تفسيره بأنّه لم يأو إلى فراشه حتّى ينسلخ رمضان.
وفي حديث أنس:«وطوى فراشه، واعتزل النساء»(١).
وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم غالبا يعتكف العشر الأواخر، والمعتكف ممنوع من قربان النّساء بالنّصّ والإجماع، وقد قال طائفة من السّلف في تفسير قوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ}[البقرة: ١٨٧]: إنه طلب ليلة القدر.
والمعنى في ذلك أنّ الله تعالى لما أباح مباشرة النّساء في ليالي الصيام، إلى أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر؛ لئلاّ يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالاستمتاع المباح، فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجّد من الليل، خصوصا في الليالي المرجوّ فيها ليلة القدر، فمن هاهنا كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل نساءه ويتفرّغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر.
ومنها: تأخيره للفطور إلى السّحر. روي عنه من حديث عائشة وأنس أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورا. ولفظ حديث عائشة: «كان