للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الليل، ويختم به المجالس؛ فإن كانت ذكرا كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كان كفّارة لها، فلذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصّدقة، صدقة الفطر؛ فإنّ صدقة الفطر طهرة للصّائم من اللغو والرّفث.

والاستغفار يرقع ما تخرّق من الصّيام باللغو والرّفث؛ ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين: إنّ صدقة الفطر للصائم كسجدتي السّهو للصّلاة.

وقال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، وقولوا كما قال نوح عليه السّلام: {وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ} [هود: ٤٧]، وقولوا كما قال إبراهيم عليه السّلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: ٨٢]، وقولوا كما قال موسى عليه السّلام {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: الآية ١٦]، وقولوا كما قال ذو النون عليه السّلام: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧].

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: الغيبة تخرّق الصّيام، والاستغفار يرقّعه؛ فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقّع فليفعل. وعن ابن المنكدر: معنى ذلك: الصيام جنّة من النّار ما لم يخرقها، والكلام السيئ يخرق هذه الجنّة، والاستغفار يرقّع ما تخرق منها.

فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع. كم نخرق صيامنا بسهام الكلام، ثم نرقّعه وقد اتّسع الخرق على الرّاقع. كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات، ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع.

كان بعض السّلف إذا صلّى صلاة استغفر من تقصيره فيها، كما يستغفر المذنب من ذنبه. إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم، فكيف حال

<<  <   >  >>