للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكرهها الثوريّ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وعلّل أصحابهما ذلك بمشابهة أهل الكتاب، يعنون في الزّيادة في صيامهم المفروض عليهم ما ليس منه. وأكثر المتأخرين من مشايخهم قالوا: لا بأس به، وعلّلوا بأنّ الفصل (١) قد حصل بفطر يوم العيد، حكى ذلك صاحب «الكافي» منهم.

وكان ابن مهدي يكرهها ولا ينهى عنها. وكرهها أيضا مالك، وذكر في «الموطإ» أنّه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، قال: ولم يبلغني ذلك عن أحد من السّلف، وأنّ أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة لو رأوا أحدا من أهل العلم يفعل ذلك. وقد قيل: إنّه كان يصومها في نفسه، وإنما كرهها على وجه يخشى منه أن يعتقد فريضتها؛ لئلا يزاد في رمضان ما ليس منه.

وأمّا الذين استحبّوا صيامها، فاختلفوا في صفة صيامها، على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه يستحبّ صيامها من أوّل الشهر متتابعة، وهو قول الشافعي وابن المبارك. وقد روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة، فكأنما صام السّنة» (٢). خرّجه الطبراني وغيره من طرق ضعيفة. وروي موقوفا، وروي عن ابن عبّاس من قوله بمعناه، بإسناد ضعيف أيضا.

والثاني: أنّه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرّقها من الشهر كلّه، وهما سواء، وهو قول وكيع وأحمد.


(١) في الأصول: «الفضل» بالضاد المعجمة، والأشبه ما أثبته بالصاد المهملة.
(٢) أخرجه: الطبراني في «الأوسط» (٧٦٠٧).
وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب»، وقال: «في إسناده نظر» وراجع: «ضعيف الترغيب والترهيب» للألباني (٦٠٧) و «مجمع الزوائد» (٣/ ١٨٣).

<<  <   >  >>