للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل الحديث، والإيمان المقرون بالعمل يراد به التصديق مع القول، وخصوصا إن قرن الإيمان بالله بالإيمان برسوله، كما في هذا الحديث.

فالإيمان القائم بالقلوب أصل كلّ خير، وهو خير ما أوتيه العبد في الدنيا والآخرة، وبه يحصل له سعادة الدّنيا والآخرة، والنّجاة من شقاوة الدّنيا والآخرة. ومتى رسخ الإيمان في القلب انبعثت الجوارح كلّها بالأعمال الصالحة، واللسان بالكلم الطيب. كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» (١). ولا صلاح للقلب بدون الإيمان بالله، وما يدخل في مسمّاه من معرفة الله وتوحيده، وخشيته، ومحبّته، ورجائه، والإنابة إليه، والتوكّل عليه.

قال الحسن: ليس الإيمان بالتمنّي، ولا بالتحلّي، ولكنّه بما وقر في الصدور، وصدقته الأعمال. ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤]. وفي هذا يقول بعضهم:

ما كلّ من زوّق لي قوله … يغرّني يا صاح تزويقه

من حقّق الإيمان في قلبه … لا بدّ أن يظهر تحقيقه

فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان، ووجد طعمه وحلاوته، ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه، فاستحلى اللسان ذكر الله وما والاه، وأسرعت الجوارح إلى


(١) أخرجه: البخاري (٣/ ٦٩، ١/ ٢٠) (٥٢)، ومسلم (٥١، ٥/ ٥٠) (١٥٩٩)، وأحمد (٢٧٥/ ٤، ٢٧٤، ٢٧١، ٢٧٠، ٦٩)، وأبو داود (٣٣٣٠، ٣٣٢٩)، والترمذي (١٢٠٥)، والنسائي (٨/ ٣٢٧، ٧/ ٢٤١)، وابن ماجه (٣٩٨٤).

<<  <   >  >>