للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: «فكلّكم خير منه» (١). وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السّفر لأخدمه، فكان يخدمني.

وكان كثير من السّلف يشترط على أصحابه في السّفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك؛ منهم عامر بن عبد قيس، وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما. وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السّفر الخدمة والأذان.

وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره، فيشترط عليهم أن يخدمهم، فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له: هذا من شرطي، فيغسله، وإذا رأى من يريد أن يغسل رأسه قال له: هذا من شرطي فيغسله. فلمّا مات نظروا في يده فإذا فيها مكتوب: من أهل الجنة، فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم.

وترافق بهيم العجليّ - وكان من العابدين البكّائين - ورجل تاجر موسر في الحج، فلمّا كان يوم خروجهم للسّفر بكى بهيم حتى قطرت دموعه على صدره، ثم قطرت على الأرض. وقال: ذكرت بهذه الرّحلة الرحلة إلى الله، ثم علا صوته بالنّحيب، فكره رفيقه التاجر منه ذلك، وخشي أن يتنغّص عليه سفره معه بكثرة بكائه. فلمّا قدما من الحجّ جاء الرجل الذي رافق بينهما إليهما ليسلّم عليهما، فبدأ بالتاجر فسلّم عليه، وسأله عن حاله مع بهيم، فقال له:

والله ما ظننت أنّ في هذا الخلق مثله، كان والله يتفضّل عليّ في النفقة وهو معسر وأنا موسر، ويتفضّل عليّ في الخدمة وهو شيخ ضعيف وأنا شابّ، ويطبخ لي وهو صائم وأنا مفطر.


(١) أخرجه: أبو داود في «المراسيل» (٣٠٦)، وسعيد بن منصور في «سننه» (٢٩١٩).

<<  <   >  >>