للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم، واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار؛ فإنّ صيامه يوجب مغفرة ما تقدّم من الذنوب، وآخره عتق من النار، يعتق فيه من النار من استحقّها بذنوبه، فشرع الله تعالى لهم عقيب إكمالهم لصيامهم عيدا يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له.

وشرع لهم في ذلك العيد الصّلاة والصّدقة. وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم، ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.

والعيد الثاني: عيد النّحر، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحجّ، وهو الركن الخامس (١) من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجّهم غفر لهم. وإنما يكمل الحجّ بيوم عرفة والوقوف فيه بعرفة؛ فإنّه ركن الحجّ الأعظم، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «الحجّ عرفة» (٢).

ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم؛ من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده؛ لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة.

وإنما لم يشترك المسلمون كلّهم في الحجّ كلّ عام، رحمة من الله وتخفيفا على عباده، فإنّه جعل الحجّ فريضة العمر لا فريضة كلّ عام، وإنما هو في كل عام فرض كفاية، بخلاف الصيام؛ فإنه فريضة كلّ عام على كلّ مسلم. فإذا كمل يوم


(١) في أ، ص: «الرابع».
(٢) أخرجه: أحمد (٣٣٥، ٣١٠، ٤/ ٣٠٩)، وأبو داود (١٩٤٩)، والترمذي (٨٨٩)، وابن ماجه (٣٠١٥)، والنسائي (٢٦٤، ٥/ ٢٥٦).
وقال أبو داود: «هذا الحديث أصل من الأصول».
وراجع: «الإرواء» (١٠٦٤)، و «سؤالات الآجري» (٣٤٣).

<<  <   >  >>