للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله، وقد قرّبه وأزلفه. من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف، فليقم لله بحقّ الرجاء والخوف. من لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى. من لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد ربّ البيت؛ فإنّه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.

نفحت في هذه الأيام نفحة من نفحات الأنس من رياض القدس على كلّ قلب أجاب إلى ما دعي، يا همم العارفين، بغير الله لا تقنعي. يا عزائم الناسكين، لجميع أنساك السالكين اجمعي، لحبّ مولاك أفردي، وبين خوفه ورجائه أقرني، وبذكره تمتعي.

يا أسرار المحبين، بكعبة الحبّ طوفي واركعي، وبين صفاء الصفا ومروة المروة اسعي وأسرعي، وفي عرفات العرفان قفي وتضرّعي، ثم إلى مزدلفة الزّلفى فادفعي، ثم إلى منى نيل المنى فارجعي. فإذا قرّب القرابين فقرّبي الأرواح ولا تمنعي؛ لقد وضح اليوم الطريق، ولكن قلّ السّالك على التحقيق وكثر المدّعي.

لئن لم أحجّ البيت إذ شطّ ربعه … حججت إلى من لا يغيب عن الذّكر

فأحرمت من وقتي بخلع نقائصي (١) … أطوف وأسعى في اللطائف والبرّ

صفاي صفائي عن صفاتي ومروتي … مروءة قلب عن سوى حبّه قفر (٢)

وفي عرفات الأنس بالله موقفي … ومزدلفي الزّلفى لديه إلى الحشر

وبتّ المنى منّي (٣) … مبيتي في منى

ورمي جماري جمر شوقي في صدري

وإشعار هديي ذبح نفسي بقهرها … وحلقي بمحق الكائنات عن السّرّ

ومن رام نفرا بعد نسك فإنّني … مقيم على نسكي حياتي بلا نفر

***


(١) في أ: «شمائلي».
(٢) في ب: «فقر».
(٣) في أ: «ونيل المنى بمنى».

<<  <   >  >>