للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبد إذا بلغت الروح التّراقي، قال: فعند ذلك يضطرب ويعلو نفسه، ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى.

عش ما بدا لك سالما … في ظلّ شاهقة القصور

يسعى عليك بما اشتهيت … لدى الرّواح وفي البكور

فإذا النّفوس تقعقعت … في ضيق حشرجة الصّدور

فهناك تعلم موقنا … ما كنت إلاّ في غرور

واعلم أنّ الإنسان ما دام يؤمّل الحياة فإنّه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذّاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجّيه الشيطان التوبة في آخر عمره، فإذا تيقّن الموت، وأيس من الحياة، أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحا، فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت.

وقد حذر الله تعالى عباده من ذلك في كتابه؛ ليستعدّوا للموت قبل نزوله، بالتوبة والعمل الصالح؛ قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ} [الزمر: ٥٤ - ٥٦].

سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه، ويقول: {يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} [الزمر: ٥٦]. وقال آخر عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي. وقال آخر عند موته: لا تغرنّكم الحياة الدنيا كما غرّتني.

وقال الله تعالى: {حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً}

<<  <   >  >>