للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرّج الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، من حديث قيس بن سعد قال:

«أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلمّا نزل رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا» (١). وفي رواية: «ونحن نفعله».

فهذه الأحاديث كلّها تدلّ على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يجدّد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره صلّى الله عليه وسلّم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب، فإنّه ينبني على أنّ الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الاستحباب أم لا، وفيه اختلاف مشهور بين العلماء. وإن كان أمره للاستحباب المؤكّد فقد قيل: إنّه زال التّأكيد وبقي أصل الاستحباب، ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله.

وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ما يدلّ على أنّ أصل استحباب صيامه زال. وقال سعيد بن المسيّب: لم يصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاشوراء؛ وروي عنه عن سعد بن أبي وقّاص. والمرسل أصحّ؛ قاله الدّارقطني. وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد.

وممن روي عنه صيامه من الصّحابة عمر، وعليّ، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو موسى، وقيس بن سعد، وابن عباس، وغيرهم. ويدلّ على بقاء استحبابه قول ابن عباس رضي الله عنه: «لم أر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم يوما يتحرّى فضله على الأيام إلا يوم عاشوراء وشهر رمضان» (٢). وابن عباس إنما صحب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بآخره، وإنما عقل منه صلّى الله عليه وسلّم ما كان من آخر أمره.

وفي «صحيح مسلم»، عن أبي قتادة: أن رجلا سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صيام


(١) أخرجه: أحمد (٣/ ٤٢١ - ٤٢٢)، (٦/ ٦) والنسائي (٥/ ٤٩)، وما في «الصحيح» شاهد له.
(٢) متفق عليه: البخاري (٣/ ٥٧) (٢٠٠٦)، ومسلم (٣/ ١٥٠ - ١٥١) (١١٣٢).

<<  <   >  >>