للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قصدي فيه قصد المجتدير فأتسّمح، بل إملاء طول الصّحبة بلسان الخبرة، فعليه فيه حكم الحق والمعلوم مع تواطؤ الأخبار عنه وشهادة الإثار له، وتوارد الوسائل فأقبل بتغاير أبوابه، وانثال عليّ وتسابق أجزائه، وفصوله تنساق إليّ كأنه كان من رباط الشّد في عقال فأنشط، ومن حفاظ المنع في وثاق فأهمل، وبيد الله تعالى أمره تسهيل المراد وتعجيل الفراغ بحوله ومنه.

واعلم أنّ رؤساء الأمم أربعة بالاتفاق: العرب، وفارس، والهند، والروم وهم على طبقاتهم في الذكاء والكيس، والدّهاء، والكيد، والجمال، والعناد وتملك الممالك والبلاد، والسّياسة والإيالة، واستنباط العلوم وإثارة الحكم في جوامع الأمور ومعلوم شأنهم معروف أمرهم، وما في على طبقاتهم في الغباوة والعظاظة وسوء الفهم والدّراية والقسوة، والغذامة، والنّوك، والجهالة مراعون لما رهنوا به وقيضوا له، وقد صاروا إلى وجوه المعاش، وفنون الممارسات، والإغراب في أسرار الصناعات، والإبداع في أنواع التّركيبات، انفتح لهم من أبواب المعرفة، وحسن التّوفيق في الإصابة، ما لم ينفتح لهم في سواه وذلك ما لا يدرك غوره من غرائب حكمة الله تعالى فيما دبر، وامضى وإن كان للعرب خاصة طبع عجيب في الأخبار، والاستخبار، والمباحثة، والاستكشاف، وسرعة إدراك ما يسفر عن الأواخر عند النّظر في الأوائل، فحصل لهم بذلك أخلاق عادت مفاخر، وأفعال صارت مناقب، مع ثبات فيما يعز، وجلد، وبيان ولدد، وافتنان في الخطب والشّعر والرّجز على اختلاف أنواعها وتصاريف أساليبها، وعلى كثرة الأمثال الحكيمة، وطرائف الآداب الكريمة.

ثم لهم الفراسة الصّحيحة، والكهانة العجيبة، وصدق الفأل الحسن، والحسّ المصيب مع العلم بأثر القدم في الصّخر الأصم، والقاع العفراء، وقيافة الأثر مع قيافة البشر، ليست لغير العرب لأنّهم يرون المتفاوتين في الطّول والقصر، والمختلفين في الألوان والنّعم فيعلمون أنّ هذا الأسود ابن هذا الأبيض، وهذا القصير ابن أخ هذا الطّويل، مع الرّعاية لأنسابهم وأيّامهم، ومحاسن أسلافهم ومساوىء أكفائهم، للتّعاير بالقبيح والتّفاخر بالجميل، وليجعلوه مبعثة على اصطناع الخير، ومزجرة عن ادخار الشّر، ولهم تبين أحوال النّجوم سعدها ونحسها، والأنواء ومقتضياتها والأمطار ومواقيتها، وبوارح الرّياح في إبّانها وحينها، والزّجر المغني عن التّنجيم وحسن الاهتداء في المسالك المهلكة، والمرامي غير المسلوكة.

وهم على كلّ حال من عيشهم يخافون مأثور الحديث ويتجرّعون من غوارب البحار، ويحبّون المادحين وتقريظهم، ويؤثرون على أنفسهم الخيل، وعلى عيالهم الضّيفان أصحاب حياء وأنفة، وجود، وفروسية، وفخر، وهمة لا تطل دماؤهم ولا يعجز طوائلهم، ولا

<<  <   >  >>