للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقال: من المطر الرّثاث وهي القطار المتتابعة يفصل بينهنّ أقلّ ما بينهنّ ساعة، وأكثر ما بينهنّ يوم وليلة. ويقال: أرض مرثة ترثيثا.

ويقال: أرهجت الأرض إرهاجا وأضبت إضبابا ومن الرّهج السّيق من الغمام الذي يسوقه الرّيح.

والإغصان المطر الدّائم الذي ليس فيه فرج، والفرج اليوم واللّيلة أو أكثر من ذلك قليلا. ومثله الإلثاث.

الفصل الثّاني في علّة ما ذكرنا من كلام الأوائل

قالوا: إنّ العلة في المطر- والثّلج- والجليد- والرّيح- واحدة وهي أنّ الشّمس إذا مرّت بموضع ندى أثارت بخارا بحرارة مرورها فيكون كيفيّة ذلك البخار على طبيعة الموضع الذي يثور منه البخار. فأما كميّة فعلى قدر كبر ذلك الجسم المهيأ للثوران إن كان كثيرا وكانت الشّمس قويّة عليه أثارت بخارا كثيرا من ذلك الجنس الذي هو طبيعة ذلك الموضع.

فإذا أشرقت الشّمس بدورانها على موضع ندي إذا سخن ثار منه بخار وذلك أنّ الحرارة إذا خالطت الرّطوبة لطفت أجزاؤها فصيّرتها هواء. فإذا كثر ذلك البخار وتباعدت الشّمس عن ذلك الموضع الذي ثار منه البخار استقبل ذلك البخار البرد الذي هو فوق الأرض الذي يرد الهواء فردّه إلى الأرض، فتكاثف بالعصر فصار ماء فانحدر. فإن كان ذلك المنحدر شيئا يسيرا صغير الأجزاء سمّي ندى. ولذلك تكون الأنداء في الشّتاء أكثر لكثرة برودة الهواء وضغطها البخار الرّطب إلى الأرض ولذلك تكون الأنداء باللّيل أكثر منها بالنّهار.

وإن كان المنحدر كثيرا كثير الأجزاء سمّي مطرا، فهذه علّة النّدى والمطر وإن كان الذي يصعد من البخار يسيرا، وكان الّذي هجم عليه من فوق شديدا جدا، صيّر ذلك البخار جليدا، وإن كان ذلك البخار الصّاعد كثيرا وكان الذي هجم عليه شديدا جدا، صار ذلك البخار ثلجا، ففرّق بين الثّلج والجليد خلّتان، إحداهما: كثرة البخار وقلته، كما فرّق بين النّدى والمطر كثرة البخار وقلّته. والخصلة الأخرى: أن الجليد إنما هو بخار جمد في الهواء لا في السّحاب، والثّلج إنّما هو بخار جمد في السّحاب.

وكذلك الفرق أيضا بين النّدى والمطر، هذا لاختلاف أنّ النّدى إنّما هو بخار انحدر إلى الأرض من دون السّحاب، وأنّ المطر انحدر من السّحاب ولكنّ البخار الذي يصعد من

<<  <   >  >>