للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباب السّادس في ذكر الأنواء، واختلاف العرب فيها

ومنازل القمر، مقسمة الفصول على السنة، وأعداد كواكبها وتصوير مأخذها ضارة ونافعة اعلم أنا نذكر من أمر الأنواء ومذهب جهّال العرب فيها، ومن صفة المنازل والبروج ما يحتاج إليه هذا الكتاب، والدّاعي إليه أنهم كانوا ينسبون الأوقات إليها كثيرا، وكذلك ما نذكره من أحوال الشّمس والقمر، وكان في العرب من يسرف في الإيمان بها ونسبة الحوادث إليها، حتى أوهم كلامهم وإفراطهم أنّ السّقيا وجميع ما يحمد منها، أو يذم إلى جميع ما ينقل فيه الأيام من خير وشر، ونفع وضر، وكلّ ذلك من الأنواء وبها. وهذا كإضافتهم إلى الكواكب أفعال صانعها، وتطابقهم في التّيمن والتشاؤم بها، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آمن بشيء من ذلك فقد كفر بما أنزل عليّ» .

وقد مرّ فيما تقدّم من الكتاب فصل كثير بيّن فيه فساد طريقتهم، وأنّ من عدل عنها وجعلها آيات يقيمها الله تعالى، تنبيها على حكمته فيها، ليعتبر المعتبرون بها ويشكروا نعمه فيها، فقد برئت من الذّم ساحته، وتباعد عن الإثم منهجه، على مثل ذلك يحمد قول عمر بن الخطاب حين خرج إلى الاستسقاء، فصعد المنبر ولم يزد على الاستغفار، ثم نزل فقيل: إنّك لم تستسق، فقال: لقد استسقيت بمجاديح السّماء. قال أبو عمر والمجاديح وأحدها مجدح، وهو نجم من النّجوم كانت العرب تقول: إنّه يمطر به لقولهم في الأنواء.

قال أبو عبيد فسألت عنه الأصمعي، فلم يقل فيه شيئا وكره أن يتأوّل على عمر مذهب الأنواء، وقال الأموي: يقال فيه أيضا: المجدح بالضّم وأنشد فيه قوله شعرا:

وأطعن بالقوم شطر الملو ... ك حتّى إذا خفق المجدح

قال أبو عبيد: والذي يراد من هذا الحديث أنه جعل الاستغفار استسقاء يتأوّل قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً

[سورة نوح، الآية

<<  <   >  >>