للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

: ١٠- ١١] وإنما نرى أنّ عمر تكلّم بهذا على أنها كلمة جارية على ألسنة العرب ليس على تحقيق الأنواء، ولا التّصديق بها، وهذا شبيه بقول ابن عباس في رجل جعل أمر امرأته بيدها، فطلّقته ثلاثا، فقال خطّأ الله نوءها ألا طلّقت نفسها ثلاثا. ليس هذا منه دعاء عليها أن لا تمطر، إنّما هو على الكلام المنقول. ومما بيّن لك أنّ عمر أراد إبطال الأنواء والتكذيب بها بقوله: لقد استسقيت بمجاديح السّماء التي يستنزل بها الغيث. فجعل الاستغفار هو المجاديح لا الأنواء، وهذا القدر إذا ضمّ إليه ما تقدم في فصل يشتمل على تأويل الأخبار المروّية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان معتقدات العرب في الأنواء والبوارح، أغنى وكفى في عذر من يعذر، وذمّ من يذم منهم والسّلام.

قال أبو حنيفة يقال: ناء الكوكب ينوء نوأ ونوء، أول سقوط يدركه في الأفق بالغداة قبل انمحاق الكواكب بضوء الصّبح.

والكوكب إذا وافاه الصّبح وهو مرتفع عن أفق المغرب لا يزال الصّبح يوافيه كلّ غداة، وهو إلى الأفق أقرب، حتى يوافق موافاته الأفق انمحاق الكوكب لضوء الصّبح، ثم يكون سقوطه بعد ذلك، والكواكب ظاهرة فلا يزال سقوطه يتأخر كلّ ليلة إلى أن يكون في أول اللّيل، فتراه على الأفق غاربا مع ظهوره للأبصار، ثم يستسر فلا يرى مقدارا من الليالي ثم يكون أوّل رؤيته غامضا في ضياء الصّبح حين يبدو للأبصار. فالواجب أن يغرق ما بين الغروب الذي هو أوّل وبين الغروب الذي له النوء لأنّ الذي له النوء سقوط النجم بالغداة في المغرب بعد الفجر وقبل طلوع الشّمس وطلوع رقيبه في المشرق في ذلك الوقت، ولا يكون هذا إلا في غداة واحدة من السّنة للكوكب الواحد.

وأما السّقوط الذي هو أفول واستسرار، فإنّه يكون من أول الليل وذلك أنّ هذا النّجم السّاقط بالغداة في أفق السّماء يرى بعد اليوم الذي يسقط فيه متأخّر السّقوط عن ذلك الوقت، فيسقط قبله ولا يزال يتأخّر في كل يوم حتى يكون سقوطه في اللّيل، ثم يتأخّر في اللّيل إلى أن يسقط في أوّل اللّيل في المغرب، ثم يستسر بعد ذلك فلا يرى ليالي كثيرة ثم يرى بالغداة طالعا في المشرق خفيا، فهذا سقوط الأفول، وقد أحسن الشّاعر في تحديد ذلك حين قال شعرا:

وأبصر النّاظر الشّعرى مبيّنة ... لمّا دنا من صلوة الصّبح ينصرف

في حمرة لا بياض الصّبح أغرقها ... وقد علا اللّيل عنها فهو منكشف

تهلهل اللّيل لم يلحق بظلمته ... قوت النّهار قليلا فهي تزدلف

لا يبأس اللّيل منها حين تتبعه ... ولا النّهار بها لللّيل يعترف

<<  <   >  >>