وإذا كان الأمر على هذا فكما تناهت البلاغة نظما ونثرا على ألسن فصحاء العرب لتعقبها التّحدي بالقرآن، فبيّن شأن الإعجاز، كذلك تعالت أشواطها الكهّان والحزاة فيما تهاذوا به وادّعوه في أوقاتهم من علم مكتمن الأخبار ليعلوها شأن النّبي عليه الصّلاة السّلام في إعلان المغيبات- وسائر ما أتي به من البيّنات.
هذا وقد كان امتلكتهم صرفة من قبل الله تعالى تمنعهم فيما يأتونه من ادّعاء نزول الوحي عليه.
فإن قيل: بماذا يتفصّل، مما قال لك إنّ التّحدي بالقرآن- وعجز من في زمانه عن الإتيان بمثله وبأقلّ سورة منه ضمن تصوير المراد من تباري الخطباء والشّعراء، والوصّاف والبلغاء؟ إذ كان انبعاث هممهم- وتحرّك شهواتهم- واهتياج طبائعهم له لا داعي إليها، ولا مسبّب لها عند الفحص والتأمل إلّا ذلك ويكشفه ما تراه من مساعدة دخلائهم من غيرهم وتعاونهم عند الأخذ عنهم في طلب الزّيادة عليهم كلّ ذلك لتصير المعجزة في كلّ أوان مجددة- كما كانت في زمانهم محققة فما العذر في الكهانة؟ وكيف ينماز حالها عما خلّدته النّبوة؟ قلت: إنّ النّبوة غايتها لا تدرك لأنّها محفوفة بالصّدق والنّزاهة والآيات البيّنة وعليها واقية من قبل الله تعالى يبعدها من الرّيبة، ويحفظها من درن الشّبهة والظّنة، والكاهنين قد بيّن الله تعالى حاله في محكم كتابه فقال: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ
[سورة الشعراء، الآية: ٢٢١- ٢٢٣] فحالهم حال المنجّم فيما يحكم به وهو يردّد بين مصدّق ومكذّب ومؤمن به ومبطل، وإذا كان الأمر على هذا انسدّت طرق المعارضات فالاكتفاء في تبيّن أمرهم بما ذكرته واجب.
[فصل في القيافة والعيافة]
فأمّا القيافة: فقد خصّ بها قوم من العرب، وإنّما هو في الأنساب خاصة وقد ثبّتها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحكم بها الشّافعي وأصحابه، ويلحقون بها الولد وهذه فضيلة خصّت بها العرب. روى سفيان بن عيينة عن الزّهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف السّرور في وجهه، فقال: ألم تري أنّ مجزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد وعليهما قطيفة وقد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض، وهذا استدلّ به الشّافعي وذكره المزني فيما حكى من مذهبه.
وروي أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا قائفا لرجلين ادّعيا ولدا فقال: لقد اشتركا فيه، فقال عمر للغلام: وال أيّهما شئت. وروي أنّ أنسا شكّ في ابن له فدعا القافة