للنّظر في أمره. وهذه الأدلة تسوّغ في الدّين القيافة، وإنّما هي علم يتتبع أثرا أرشد الله له قوما خصّهم بفضيلته ويقال: قفاه وقافه واقتافه واقتفاه بمعنى. وفي القرآن: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
[سورة الإسراء، الآية: ٣٦] .
وأمّا العيافة ففعل الزّجار. قال الأعشى:
ما تعيف اليوم من طير روح ... من غراب البين أو تيس برح
فقال في الإجمال: ما تعيف من طير روح، وفي التّفصيل (قال) : من غراب البين أو تيس برح، فجعل التّيس من تفسير الطّير لأنّهم يقولون في تعارفهم: جرى طائره بكذا، وحكى أبو زيد عنهم: سألت الطّير، وقلت للطّير، وإنّما هو زجرانها. وفي القرآن: قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ
[سورة يس، الآية: ١٩] وقالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
[سورة النّمل، الآية: ٤٧] والأمم على اختلافها تفعلها. فمن ذلك قول الهذلي:
أتيح له من الفتيان خرق ... أخو ثقة وخريق حشوف
فبينا يمشيان جرت عقاب ... من العقبان خاسئة دفوف
فقال له: وقد أوحت إليه ... ألا لله إنّك ما تعيف
فقال له: أرى طيرا ثقالا ... تبشّر بالغنيمة أو تخيف
ففي هذا الذي قاله بيان، إنّ ذلك رجم ظن، وفي العرب من يشتقّ من اسم ما يعنّ له عند الطّيرة، فيبني قصّته عليه كقول القائل:
قالوا: حمام قلت: هم لي اللقاء. وقالوا: غراب قلت: غرب من النّوى. وقد اشتق أبو تمام على ضد هذا فقال شعرا:
لا تشجينّ لها فإنّ بكاءها ... ضحك وإنّ بكاءك استعقام
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة ... من جابهنّ فإنّهنّ حمام
فأمّا ما يقولون في الغراب والظّباء وهي: (السّانح) و (البارح) و (النّاطح) و (القعيد) و (الجابه) و (غراب البين) فقد اختلفوا في (السّانح) و (البارح) فمن العرب من يتشاءم بالسّانح ويتيمّن بالبارح على ذلك قول زهير:
جرت سخّا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء
وقال النابغة:
زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغداف الأسود
فما تطيّر به زهير تبرّك به النّابغة، (فالسّانح) : ما جاء من ميامنك فولّاك مياسره،